ديني

نعمة الستر..وصراع السبق الإعلامي

وقت النشر : 2021/09/28 12:39:21 AM

 

بقلم: ممدوح الحوتي

أعزائي القراء الكرام أهلا ومرحبا  بكم على متن سفينة المعرفة، حيث تبحر بكم سفينتنا إلى شاطئ جديد من شواطئ العلم والمعرفة والثقافة العامة ومقال جديد نتحدث فيه عن نعمة الستر..وصراع السبق الإعلامي ،فهيا بنا نبحث معا في هذا الشاطئ عن هذا الصراع .

فهذه قصة عجيبة وبها أحداث وردود فعل غريبة ومثيرة ولكن وراءها دروس وعبر تكاد تكون قد اختفت أو قل دفنت في مجتمعاتنا العربية؛ فنجد الآن النخوة والغيرة تقل تدريجيا بين فئات المجتمع وخاصة الشباب ،ولا ندري كل الأسباب ولا جل الحقيقة ، إلا أن هناك بالتأكيد قصور في التربية وعدم اهتمام بمشاكل كبيرة تطرأ في البيوت على أبنائنا وبناتنا ولا نهتم بها .

يؤدي هذا إلى ضعف الوازع الديني لدى أبنائنا وغياب القدوة والمثل الأعلى ،في جيل التكنولوجيا والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ،ما يأخذنا تدريجيا لأن يصبح الأمر عادة وليس فيه غرابة ،ونجدنا لا نفرق بين نعمة الستر،وصراع السبق الإعلامي  ولكن الحقيقة غير ذلك، حيث لو نظرنا سريعا إلى قصص التراث أجدادنا القدماء ،لوجدنا اختلافا جذريا في العادات والتقاليد وما شابه ذلك ،ولا أدل على هذا الكلام من القصة التي سأرويها لحضراتكم ،لنعلم العظة والعبرة من ورائها .

إقرأ أيضا:

تبدأ القصة من امرأة خائفة تائهة بلغ بها الهم والغم منتهاه حتى انتهت بها الحيرة إلى باب رجل يدعى أحمد بن مهدي بن رستم العابد الزاهد،فطرقت بابه وقلبها يخفق خوفا وهلعا ، وصوتها يتقطع، فقالت له: إني ابتليت بمحنة وأكرهت على نفسي وأنا حُبلى، وقد تستَّرْتُ بك وأسألك بالله أن تسترني ولا تفضحني،فقد زعمت أمام الناس أنك زوجي ، فسكت عنها ومضت.

وبعد أشهر وضعت هذه السيدة مولودها فجاء الناس إليه  يهنئون، و يباركون له المولود الولد ، فما كان من الرجل إلا أنه أظهر لهم البشر والفرح وكأنه أبوه فعلا ، ثم أعطى إمام مسجدهم مبلغاً من المال، وقال له: أعطها هذا المبلغ نفقة للولد، فقد فارقتها،وكان يصنع ذلك كل شهر، وبعد حولين كاملين مات الطفل لتنتهي قصة المعاناة.

إلا أن قصة الستر لم تنتهِ بعد عند هذا الحد ،فقد جاءه الناس يعزونه، فكان يظهر لهم الحزن والتسليم والرضا بقضاء الله وقدره ، وما إن مرت  إلا بضع  ليالٍ حتى تنتهي القصة من حيث ابتدأت،  لتأتي هذه الأم وتطرق  باب الرجل مرة أخرى،  ومعها بعض الدراهم دراهم التي كانت قد جمعتها في صرة، فقالت له وهي تبكي: هذه نفقة الولد التي كنت تبعث بها إليّ، وأخذت تدعو له، سترك الله كما سترتني..فقال لها: هي صلة للولد وأنت وريثته  فهي لك، ثم دعت له وانصرفت.

إلى هنا نسدل الستار على القصة.. ولكن دعونا  نتساءل:-

من منا يملك نفسه  في هذا العصر الحديث الذي نعيشه ،ومجتمع التكنولوجيا المتقدمة ،يستطيع فعل هذا الذي فعله الرجل الزاهد ، بل وكم زاهد في مجتمع اللاهين التائهين تحت وطأة الإثارة والسبق الإعلامي في برامج التواصل على الجوال، وصفحات الإنترنت ..وكل مواقع السوشيال ميديا …للإثارة أو إضحاك الناس وتلقي التعليقات.

فتعال عزيزي القارئ وانظر حين ننشر مقطعاً أو صورة تخص إنسانة مسلمة كهذه أخطأت ،أو  إنساناً مسلماً أخطأ ..سواء علمنا الحقيقة كاملة أو نصف الحقيقة؟!

لا شيء يحفظ كيان المجتمع، وترابطه ،وبنيانه وعلاقات الناس والجيران مع بعضهم بعضاً مثل الستر، ولولاه لتشاحن الناس وتمزقت أواصر الود والاحترام ،وربما يمتلئ جوال أحدنا بالفضائح وأعراض الناس وزلاتهم وخصوصياتهم وخفاياهم..

فكم من الأجر ينتظرنا لو سترناهم ،ودفناها وانتصرنا على هوى أنفسنا “إن الله حييٌّ سِتِّير يحب الحياء والستر” و”من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة” صدقﷺ

كم من رسالة نشرناها وتبين لنا في اليوم التالي أنها كانت مجرد إشاعة، فما ذنب من مسسناه بالأذى!ونتجاهل أو نتناسى قول الله عز وجل: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين “

كم من مخطئ استغفر وتاب واعتذر ورد الحقوق إلى أهلها وما زلنا ننشر خطأه وخفاياه!.

وكم من مقولة بريئة حُمِّلت أكثر مما تحتمل وفُهمت بشكل مغاير تماماً أو هي كلمة حمالة أوجه فاخترنا ما يوافق هوانا وبادرنا بنشرها!.

وكم من رسائل  تصلنا عشرات المرات فيها المساس بشخص ما  أو امرأة ما أو بنت او شاب ،ونعيد إرسالها ونشرها بحجة أنها قد انتشرت وبلغت الآفاق، في حين أننا  لو أوقفناها عندنا وسترنا وكففنا ، لعفافنا ونبلنا لكتب الله لنا الأجر حتى لو انتشرت، فالأعمال بالنيات.

أعزائي القراء الكرام كم من بيننا مستشار اجتماعي ورجل أمن ومحقق وطبيب ومدرس وصحفي وغيرهم.. ربما اطلع على زلات وخفايا الناس بما تقتضيه مصلحة العمل فطوبى لمن ستر ودفنها قبل أن يدفن..

وختاما .. فمن الغريب أن يسرق بيتنا ولا أعرفه إلى هذه اللحظة مع أنه معروف ومعلوم!! ..ففي زمان مضى ذكر صديق لي يقول: أن بيتنا قد سُرق قبل عقود من الزمن, و انتهى الأمر  بالإمساك بالسارق قبل أن يغادر المنزل وعرفه وأسقط في يده وطلب منه السارق العفو والستر، فسأل والده من هو ذلك السارق؟ فقال له : «رجل مستور يا ولدي » حفظ الله والد صديقي هذا وجميع والدينا ،وردنا إليه مردا جميلا لنتنعم بنعمة الستر ونبعد عن السبق الإعلامي الذي يغضب الله عز وجل.

ما أجمل الستر! ولا شيء أنبل من نعمة الستر على مسلم..دمتم في أمان الله.

اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.

زر الذهاب إلى الأعلى