
حمامتاك على كتفي
بقلم: رغد النابلسي
مائدتي لا تنقصها الأطايب، كلُّ لذائذ الدنيا مفرودة بسخاء، أعددتها بإتقان ليتناولها الحضور، لكنّ مائدة قلبي موحشة، كلُّ نصوص الغزل التي دبّجتُها لم تمتدّ لها يدك، كما امتدت الأيادي المعجبة بطهوي لتقضي على ما تحويه الأطباق في دقائق!
ما زلت أنتظر عينيك، أراقب ناصية الطريق، أتُطلّ؟
أرتّل دعوات الهداية لتُحمَل قدماك بالهدى إليّ.
أتحسّس صوتك في فراغات صمتي ينسكبُ ليرتقها، أتوهّم عينيك تحطّان حمامتين على كتفي لتنقرا حُبوب الحُسن، فيبادر لسانك ويتغزل به بعدما تعود حمامتا عينيك، لتخبراك بمدى جمالي، وتصفا روعة ما شاهدتاه، فينهمك قولك في مدحي غير قادر على الصمت.
أتخيّل عودة حمامتي عينيك، يتضح أنهما لم تغادرا سوى لتحضرا متاعهما وتستقرّا على كتفي للأبد، تتربعان، وتتأملانني وأنا أعدّ أميز أطباقي للجائعين، تستحثانني لأنهي طهو الطعام، وأبدأ بطهو الهوى على نارِ كلماتي الهادئة، حيث يتعتّق سكر الوصف، ويضافُ لأي جملة باردة فيسري فيها الدفء، ويصبح ما نتبادله من أقوالٍ زاخرا بحبّ لا ننكره. الكلمات المألوفة تخرج من شفتينا لمّاعة؛ هل كويتَ قميصك لنذهب؟ هل تذكرتِ ريّ الأزهار اليوم؟ أتذهبُ للحديقة أم تفضّلُ المطعم الجديد؟ ما رأيكِ بربطة عنقي؟
أحاديث أفديها، سكّر كلماتي المعتّق، وحلو أقوالك يهبها حياةً لا تضاهى.
ألم يرق لك تخيلُ هذا؟ ألم تحلّق طربا لمجرد تصوّره؟
لا تتركني أقف على ناصية الطريق لآخر عمري!
الأبدُ الذي اتفقنا على بلوغه هو استقرار حمامتي عينيك على كتفي إلى الأبد.
لا أعترفُ بوعدٍ سواه، أنا لم أبعث غزلي من سباته، ولم أنتظرك لأعود خالية الوفاض، وأبحث عن متسوّل شاعرية لأبيعه الغزل، فيأخذه ويدسه في جيبٍ صقيعيّ ليسلّمه لحبيبة لا أعرفها، لتمدّ الأخرى يدها وتتناول منه حبا لا تفهمه، ولا يفهمه، لأنه الحب الذي كتبته بنفسي لنا، ولم يتسنَّ أن نعيشه، فكيف يلائم مقاس اثنين غيرنا؟
الكلمات التي تُدلَق من دلو كاتبةٍ لا تعود، لستُ أعود في كلمة قلتُها، أتريدني أن أتراجع عن انتظار عينيك وأكفّ عن وصفهما وتخيل اجتماعنا؟
ماذا أفعل بالدفاتر حينها؟
فكرة بيعِها لفقيرَي تعبيرٍ وإحساس لم ترقني، رأيتَ بنفسك كم يكون المشهد قاسيا حينما يستعيرُ من لم يتغزل مطلقا قبّعةَ هواك، فتأتي مضحكة على رأسه.
رأيت كم يكون الأمر سخيفا عندما تستلفُ من لم يخفق قلبها مطلقا عصا غزلي السحرية، تحركها لتنتج سحرا خلّاقا فتُفاجأ ونفاجأ بأن ما كنت أجعله بعصاي السحرية جنّة أحالته بقلة خبرتها ضفدعا ومستنقعات!
مائدة قلبي وأطباقها أُعدت لتكون لنا خصيصا، لا تنس ذلك، ربما يساعدك للوصول إليّ، ولا تخف، لستَ وحدك، أنا ما زلت أرتل وأدعو بكل أدعية الهداية لتُحمل قدماك كالمعجزة نحوي، ما زلتُ أحلم بمعجزة، تحيي موتَنا، توقظنا كأننا لم ننمْ عن الحب ولا غفلنا عنه، ما زلتُ واقفة ألوّح لك وأنا أؤمّن على دعواتي لتسوقك إلى طريقي..
عرّفه يا رب بالطريق!
حمامتاك على كتفي.