أخبار مصرأدبي

أبغض الحلال

وقت النشر : 2022/07/31 01:51:59 AM

أبغض الحلال

بقلم: مصطفى نصر

عقدتُ عشرات الجلسات بين صديقي وزوجته متمنيًا من الله أن يوفقني للإصلاح بينهما بالمعروف دون جدوى، فقد كان كل طرف منهما قرر قرار الذهاب بلا عودة، وقد استقر بهما الرأي على أن علاقتهما قد وصلت إلى سدرة منتهاها، وأن العشرة بينهما قد باتت من المستحيلات، وأن من الأوفق لي أنا كصديق الأسرة أن أضع حدًا لهذه العلاقة التي باتت من المستحيلات، وأن تفرقنا بالمعروف كما سعيت في بدء العلاقة لأن تجمعنا بالمعروف.

لم يكن همي أبدًا أن يستمر هذان الطرفان أو يتفرقا فهذا شأنهما، وقد شرع الله الطلاق كأبغض الحلال إلى نفسه لكي يكون حلًا في مثل هذه الظروف، لكن هذين العنزين الذين آثرا التناطح بزمامها بمنتهى اللعنة والمهنية نسيا في هذه اللحظة التي يمسك الشيطان بمقودها بكل ما أوتي من خبث ودهاء وحرفية ومهنية، أنه قد نجم عن هذه العلاقة ثلاثة أطفال ملائكيين هم في غاية الوسامة والنبوغ، وأن ثمن إنهاء هذه العلاقة سيدفع ثمنه هؤلاء الصغار.

لم يكن يهمني في هذه اللحظة أن تبقى أو تنتهي هذه العلاقة بين هذين الطرفين، لأن الله تعالى قد شرع لهما أبغض التشريعات إلى نفسه وهو الطلاق كحل لمشكلتهما، بقدر ما كان يهمني أمر هؤلاء الأطفال الملائكيين، فإذا سألت أي طفل في هذا الكون عن معنى الأمان، سيقول لك إن الأمان هو أن يبقى حذاء أبي بالباب، فكل من الأب والأم بوسعه بداية حياة جديدة، مع زوج جديد في أيام من العسل، أما الأبناء فإن حياتهم في التئام شمل الأسرة.

كانت نهاية هذه الجلسات هي تحديد ساعة الصفر لإنهاء هذه العلاقة، وقد عقدالزوجان العزم – كآخر حالة اتفاق بينهما- على أن يكون يوم الجمعة القادم هو موعد الغداء الأخير لاجتماع شمل هذه الأسرة بعد الصلاة (لنقطع عرق ونسيح دم) لوضع ترتيبات الطلاق.

انتابني في هذه اللحظة شعور حزين هو أن أربعة أيام فقط قد تبقت لنهاية علاقة حب بين هذين الطرفين بدأت سعيدة هانئة، وجمعت بين هذين الزوجين لعقد ونصف من الزمان، بعدها سينعق بون الخراب في هذا العش الذي سيكون شيئًا من الماضي.

وفي ذلك اليوم المشهود أتيت ومعي الماذون واثنين من الشهود، بعد الغداء مباشرة بدأ السيد المأذون في محاولة الفرصة الأخيرة لإقناع الطرفين بالعدول عن هذا القرار، مستخدما كل محفوظاته من الآيات والأحاديث الشريفة والأقوال المأثورة لإقناع الطرفين، وقد بذل جهدًا حقيقيا وصادقا تتجلى فيه الإنسانية في أبهى صورها لإقناعهما رغم أن مصلحته الشخصية في ألا يتفقا فيكتب وثيقة الطلاق ويقبض أتعابه، لكن كل جهوده لم تقنع أحداً منهما.

بدأ الطرفان صاحبا الشأن في وضع لمسات الطلاق الأخيرة، حيث طالبت الزوجة بأن يكون المنزل والسيارة لها، ووضحت أن جانبا كبيرا من أثاث المنزل اشترته من حر مالها لذا هي الأولى به، وأن يسجل لعياله العمارة بالحي الشرقي، لكن الزوج رأى أنه لن يتنازل عن المنزل الذي اشترى أرضه وبناه بحر ماله، لكن بما أن العيال سيعيشون معها سيتنازل لها عن نصف المنزل، لكنه غير مستعد للتنازل عن السيارة والعمارة، فاحتد الجدل بينهما، وارتفع صوتهما بصورة خشيت من أن تلفت أنظار الجيران من حولهم، فذكرتها بضرورة الهدوء.

في تلك اللحظة انفتح باب الغرفة التي نجلس فيها وأطلَّ من الباب ابنهما البكري وعمره أحد عشر عاما، وفي يده سكين وطلب من أبويه أن يذبحانه هو وأخيه وأخته الذين ولجا للغرفة أيضا، إن كان الطلاق هو قرارهما النهائي.

أصيب الأب والأم بالذهول لهذا التصرف العجيب، وجرت الأم لتحضنه بكل حنو وقد نزعت السكين من يده وتؤكد له أنها لن تطلب الطلاق أبدا، نظرت إلى أبيه فرأيت عينيه قد اغرورقتا بالدموع وهو في حالة ذهول مما قاله الابن.

حضن الأب والأم أبناءهما وبدأ في التأكيد لهما بأنهما لن يقدما على الطلاق أبدا.

في تلك اللحظة بدأ الجميع في التصفيق الحار لهذا الطفل الذي حسم القضية بهذا التصرف الذكي، بما في ذلك أنا الذي كنت قد زرته في المدرسة أمس في زيارة سرية لم يعلمها حتى أبويه، بتعاون كبير من إدارة المدرسة التي رتبت لنا اللقاء، لحرصهم على إصلاح ذات البين بين أبويه، ووضعنا السيناريو معا، إلا أن مصدر دهشتي كان مختلفا من الجميع، لأني لم أتوقع نجاح الخطة بهذه الصورة، ولا قدرات الطفل في أداء الدور بهذه الطريقة المذهلة.

زر الذهاب إلى الأعلى