مقالات متنوعة

حقدٌ، فخِلافٌ، فنَصر “السادس من أكتوبر”

الفدائيون

وقت النشر : 2022/10/05 03:20:24 PM

حقدٌ، فخِلافٌ، فنَصر “السادس من أكتوبر”

بقلم: نشوة أحمد علي

عرضت أمريكا وإنجلترا والبنك الدولي قرضا على مصر عام 1955 لتنفيذ مشروع السد العالي، فقبلته، ثم طلبت شراء صفقة أسلحة، فرُفِض طلبها؛ مما اضطرها إلى اللجوء إلى الاتحاد السوفيتي، لشراء ما يلزمها من أسلحة.. لكن أمريكا وإنجلترا رأيا في رد فعل مصر تحدِّيا، فقررا التراجع عن تمويل مشروع السد.
تبع ذلك غضب جمال عبد الناصر؛ رئيس الجمهورية آنذاك، مترجما غضبه بقرار تأميم شركة قناة السويس.. تبعه في نفس العام 1956 تعاون إنجلترا وفرنسا وإسرائيل في شنِّ عدوان ثلاثي على مصر.

دارت في بورسعيد معارك طاحنة بين المقاومة الشعبية وقوات العدوان، ولم يستسلم شعب المدينة الباسلة، مما دفع الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى إجبارهم على الانسحاب، فرضخوا؛ انسحبت القوات الإنجليزية والفرنسية من بورسعيد، وكذا انسحبت القوات الإسرائيلية من سيناء وقطاع غزة، مع تمكين إسرائيل من تأمين ملاحتها البحرية والجوية عبر خليج العقبة.

الفدائيون 

بعد سنوات.. قامت إسرائيل بمحاولات دنيئة، كإغارتها على قرية السموع الأردنية، متذرِّعةً بتدمير قواعد فلسطينية، ثم اتهام سوريا بتشجيع أعمال الفدائيين بفلسطين، وبالتالي حدث اشتباك بين الطيران السوري والإسرائيلي، أعلنت من بعده إسرائيل عزمها على الحرب على سوريا، لإسقاط نظام الحكم، ومن ثَمَّ أرسلت في طلب القطاع الأكبر من قواتها الاحتياطية، وفي المقابل أعلنت مصر التعبئة العامة بالقوات المسلحة، لارتباطها باتفاقية دفاع مشترك مع الشقيقة سوريا.

رفع الجيش المصري حالة الطوارئ إلى أقصاها، وحشد قواته استعدادا لتنفيذ خطة القاهر الدفاعية، ثم قرر عبد الناصر إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية، التي تحجَّجت بهذا التدخل، وزادت من تعبئة الاحتياطي، ورفعت جاهزيتها لخوض الحرب.

لم يكن الجيش المصري في تلك الحقبة في أفضل حالاته؛ إذ كانت القوات المسلحة تعاني من خسائر ضخمة في الأفراد والمعدات، وكذلك التدريب، وتدنِّي الكفاءة القتالية؛ نتيجة مشاركتها بحرب اليمن، فضلا عن سوء تنظيم، وتشتت في توزيع المهام، والتنسيق بين الإدارات المختلفة.
في حين تفوق سلاح الطيران الإسرائيلي على نظيره العربي واضح جليّ.
وجه العدو الإسرائيلي ضرباته للقوات الجوية والمطارات الأردنية والسورية والمصرية، فأجهضت طلعاتهم الجوية، واستولت في نهاية حرب 1967 على كل من هضبة الجولان السورية، والضفة الغربية والقدس الشرقية، إضافة إلى اجتياحها سيناء وقطاع غزة بريًّا..

ثم قامت مصر بعد هذه الهزيمة المدوِّية بحرب الاستنزاف التي استمرت مدة ثلاثة أعوام ونصف، اعتمادا على المواجهة غير المباشرة، بغرض استنزاف طاقة الجيش الإسرائيلي، ومنعه من الوصول إلى غرب القناة.
وخلال هذه الفترة نجحت مصر في استكمال منظومة الدفاع الجوي، والاقتراب من حافة الضفة الغربية للقناة، وأعادت تدريب قواتها المسلحة.

توفي جمال عبد الناصر، وخلفه نائبه محمد أنور السادات عام 1970؛ الداهية المصري الذي أعلن في عدة مناسبات عن نيَّته في محاربة إسرائيل، وقرر ان يكون 1971 هو عام الحسم.
وفي عام 1973 اتفق الجانبان المصري والسوري بقيادة رئيسيهما؛ السادات والأسد على ضرورة شَنِّ الحرب لاسترداد أراضيهما المنهوبة.

ثقة العدو الجوفاء 

نشبت الحرب في السادس من أكتوبر، الموافق العاشر من رمضان، عام 1973، وتمثَّل الجانب المصري في السادات، والشاذلي، وأحمد إسماعيل، والجمسي ومبارك وغيرهم.
والحليف السوري كان بقيادة الرئيس حافظ الأسد، وطلاس، ويوسف شكور وغيرهم.
كما تشكَّل الطرف الإسرائيلي من جولدا مائير، وموشيه دايان، وآخرين..

انتهت الحرب بتحقيق الأهداف الاستراتيجية من الخطة بدر، وتثبيت الجيش المصري لقواته على الضفة الشرقية للقناة، مع توغل الجيش الإسرائيلي إلى غرب القناة ومحاصرة الجيش الثالث، من خلال ثغرة “الدفرسوار”، لكنه رغم ذلك لم يظفر من هذا الحصار بمبتغاه، لأنه حتى لم يتمكَّن من اقتحام أيٍّ من مدينتي السويس والإسماعيلية، ثم تلا ذلك عقد اتفاقية، انسحبت على إثرها إسرائيل.
كما توغلت داخل الأراضي السورية بعمق 15 كيلومتر، مكونةً جيب “سعسع”

لم يكن غريبا على جنود مصر الذين صُنِعوا من عزيمةٍ أن يظهروا استبسالا، وتضحية من اللحظة الأولى، فضلا عن ثأر مُبَيَّتٍ في صدورهم منذ ستة أعوام، لما طال كل بيت من بيوت المصريين شعور بالعار والصَّغَار بعد نكسة 1967، ثأر ترعرع يوما بعد يوم، ولم يعد يحتمل مهادنة، أو تأجيلا، ثأر كان هو رأس حربة قتال المصريين، يحدوهم للمواجهة، لتذليل كل العقبات؛ حتى ذلك السد الذي ادّعى صانعوه مَنْعَته، وعجز أيٍّ مَنْ كان على اختراقه.
عبروا خط بارليفهم بخراطيم المياه، عبروه مستهزئين بثقة العدو الجوفاء بنفسه، عبروه تحت أعينهم المندهشة، وأسماعهم المنزعجة.

حقدٌ، فخِلافٌ، فنَصر "السادس من أكتوبر" بقلم: نشوة أحمد علي
حقدٌ، فخِلافٌ، فنَصر “السادس من أكتوبر”
بقلم: نشوة أحمد علي

حطموا حصونه، وعبروا القناة، وتوغلوا داخل أراضي سيناء، كما تمكَّنت القوات السورية الباسلة من التوغل داخل هضبة الجولان، وصولا إلى بحيرة طبرية، لكن في نهاية الحرب _مع الأسف_ ردَّتها عنها القوات الإسرائيلية، واستعمرتها من جديد.

لحِق ذلك معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، واسترداد مصر سيادتها، وإحكام كامل سيطرتها على سيناء وقناة السويس، فيما عدا طابا عام 1982، حتى تحرَّرت هي الأخرى بالتحكيم الدولي عام 1989

حفظ الله وطننا الغالي، ودامت أواصر الشعوب العربية قوية، وداموا سندا لبعضهم، كالبنيان المرصوص، أبيًّا في مجابهة المعتدي، صلبا، عنيدا، لا تكسر شوكته، ولا يُخترَق صَفُّه

زر الذهاب إلى الأعلى