أخبار مصرمقالات متنوعة

اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون

وقت النشر : 2022/11/04 10:39:55 PM

اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون

بقلم: حسين عبد البصير

قال الدكتور ” حسين عبد البصير” مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية أنه تعد قصة اكتشاف هوارد كارتر لمقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون من أعظم الاكتشافات الأثرية في العالم كله عبر العصور والأزمان. فما قصة كارتر مع ذلك الاكتشاف الأعظم؟

في الرابع من شهر نوفمبر عام 1922 ميلادية، كان عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر على موعد الرمال المصرية لتمن عليه وتكشف له عن واحد من أهم أسرارها الدفينة؛ كي يحقق حلم حياته بعد طول عناء وتعب بالكشف عن مقبرة “توت عنخ آمون”؛ ذلك الأثر الفريد من نوعه الذي أذهل العالم منذ وقت اكتشافه إلى هذه اللحظة، والذي طغى على كل الاكتشافات الأثرية الأخرى في العالم أجمع، وأصبح أهم اكتشاف أثري في القرن العشرين دون أدنى مبالغة.

انطلقت أسطورة الملك “توت” لتغزو أرجاء العالم كله، وأصبح الفرعون الشاب الذي لم يجلس على العرش أكثر من تسع أو عشر سنوات، بين عشية وضحاها، أشهر ملك في تاريخ الإنسانية وكتب لاسمه الخلود.

ثبت من دراسة مقتنيات مقبرة الملك “توت” التي أبهرت العالم أجمع أنها لم تكن تخص وحده، بل كان أغلبها مقتنيات سلفيه الملكين: والده “أخناتون” العظيم، وشقيق أخناتون الملك “سِمنخ كارع”، والتي تم تجميعها على عجل؛ لإتمام مراسم دفن الملك الشاب الذي مات فجأة. ولقد ألهبت تلك المقتنيات والطريقة التي اكتشف بها خيال الباحثين والمولعين بالآثار وأساطيرها على السواء، فنسجوا العديد من القصص والحكايات حول حياة الملك ووفاته ومن هنا نشأت أسطورة “توت”.

تعد مقبرة الملك “توت عنخ آمون” هي المقبرة الملكية الوحيدة التي وصلت إلى أيدينا كاملة إلى الآن. بعد وفاة الملك “توت” بمائتي عام، قام عمال الملك “رمسيس السادس” من ملوك الأسرة العشرين، دون قصد، برمي الأحجار والرمال المستخرجة من حفر مقبرته فوق مدخل مقبرة “توت عنخ آمون”، بل شيدوا أكواخهم فوق ذلك الرديم. ولولا تلك المصادفة العجيبة لما نجحت مقبرة الملك الشاب من أيدي لصوص المقابر من كل زمان، ولما وجدها “كارتر” في صبيحة الرابع من نوفمبر عام 1922 ميلادية بعد بحث مضنٍ دام عدة سنوات طوال.

هوارد كارتر

وُلد عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في يوم 9 مايو 1874 في سوافهام في نورفولك في إنجلترا حيث عاش مع عماته. وتوفي فقيرًا في 2 مارس 1939 في لندن. في عام 1891، وفي سن السابعة عشرة من عمره، انضم كارتر إلى بعثة المسح الأثري الذي كانت تقوم به بريطانيا في مصر. بدأ كارتر برسم المناظر والنقوش. وعمل بالاكتشافات الأثرية في منطقة بني حسن بالمنيا، والتي تخص مجموعة من أجمل وأشهر مقابر النبلاء في عصر الدولة الوسطى. ثم عمل بعد ذلك تحت رئاسة عالم الآثار البريطاني الرائد وليم فلندرز بتري. وأثناء إشرافه على الحفائر في وادي مقابر الملوك عام 1902، اكتشف مقبرتي الملكة حتشبسوت والملك تحتمس الرابع. ونجح أيضًا في اكتشاف آثار تعود لعهد الملكة حتشبسوت في مقبرة بمنطقة الدير البحري بالقرب مما يعرف باسم معبد الدير البحري في البر الغربي لمدينة الأقصر أو طيبة أو “واست”. وقام كارتر بعمل رسومات بديعة للمناظر والنقوش والتماثيل الرائعة في معبد الملكة الجميلة حتشبسوت. وشغل بعد ذلك منصب المفتش العام في مصلحة الآثار المصرية. واستقال بعد ذلك. بعد عدة سنوات عصيبة، وفي حوالي عام 1907، بدأ علاقته مع الثري إيرل كارنارفون الخامس، جامع وعاشق الآثار البريطاني المعروف الذي سعى إلى كارتر للإشراف على الحفائر الخاصة به في وادي الملوك. والذي قام بتمويل حفائر كارتر الأثرية. وأصبح كارتر المسئول عن كل أعمال التنقيب الخاصة بكارنارفون.

في عام 1917 ميلادية حصل اللورد “هربرت إيرل كار نافون الخامس” (1866- 1923 ميلادية) على موافقة مصلحة الآثار المصرية بالتنقيب في وادي الملوك. وكان حلم “هوارد كارتر” (١٨٧٤- ١٩٣٩ ميلادية) هو العثور على مقبرة الفرعون الصغير “توت عنخ آمون” بين مقابر وادي الملوك. فطلب اللورد “كارنارفون” من “كارتر” أن يجرى الحفائر لحسابه في الوادي. وكان “كارتر” يتمتع بسمعة أثرية كبيرة فقد سبق له اكتشاف مقبرة الملك “تحتمس الرابع” عام 1903 ميلادية بمساعدة الأمريكي “تيودور ديفيز”.

بدأت الحفائر في العام نفسه، ومضى دون أي نتائج مشجعة. وتذكر “كارتر” كل ما قاله أسلافه علماء الآثار السابقون أمثال “جان- فرانسوا شامبليون” و”جاستون ماسبيرو” و”جيوفاني بلزوني” من أن الوادي قد لفظ كل ما بداخله.

لم ييأس وواصل العمل. فقد كانت ثقة “كارنارفون” تدفعه حبه وصبره يشدان من أزره الذي لا يلين. واستمر الحفر خمس سنوات أخرى دون نتائج مرجوة. ومرّ صيف عام 1922 ميلادية كان إيمان “كارتر” كبيرًا بأنه سوف يعثر على مقبرة الملك الصغير ذات يوم.

بدأ اللورد “كارنارفون” يقنط ويهمل الأمر كلية ويدعه جانبًا. فطلب منه “كارتر” منه أن يمنحه فرصة أخيرة: هذا الموسم الذي سيبدأ في نوفمبر 1922 ميلادية. واستمر الحفر في مساحة صغيرة مثلثة الشكل أمام مقبرة الملك “رمسيس السادس” لم يسبق الحفر فيها. لقد كان “كارتر” في مأزق حقيقي إن لم يعثر هذا الموسم الأخير على تلك المقبرة، فسوف يرحل اللورد إلى بريطانيا ويفقد التمويل المادي وتذهب جهوده المضنية لسنوات طوال وأحلامه أدراج الرياح.

لم يكن “كارتر” يعلم أن صباح الرابع من نوفمبر هو يوم مجده الحقيقي. يقول “كارتر” في كتابه الممتع عن مقبرة الملك “توت عنخ آمون” في معرض حديثه عن ظروف الاكتشاف: “هذا هو بالتقريب الموسم الأخير لنا في هذا الوادي بعد تنقيب دام ست مواسم كاملة. وقف الحفارون في الموسم الماضي عند الركن الشمالي الشرقي من مقبرة الملك رمسيس السادس. وبدأت هذا الموسم بالحفر في هذا الجزء متجهًا نحو الجنوب. كان في هذه المساحة عدد من الأكواخ البسيطة التي استعملها كمساكن العمال الذين كانوا يعملون في مقبرة الملك رمسيس السادس. واستمر الحفر حتى اكتشف أحد العمال درجة منقورة في الصخر تحت أحد الأكواخ. وبعد فترة بسيطة من العمل، وصلنا إلى مدخل منحوت في الصخر بعد 13 قدمًا أسفل مهبط المقبرة. كانت الشكوك وراءه بالمرصاد من كثرة المحاولات الفاشلة، فربما كانت مقبرة لم تتم بعد، أو أنها لم تستخدم، وإن استخدمت، فربما نهبت في الأزمان الغابرة، أو يحتمل أنها مقبرة لم تُمس أو تُنهب بعد. كان في يوم 4 نوفمبر 1922 ميلادية.”

في 4 نوفمبر 1922، عثر كارتر على أول علامة لما ثبت أنها مقبرة توت عنخ آمون. ثم أرسل “كارتر” برقية سريعة إلى اللورد “كارنارفون” يقول فيها: “أخيرًا، اكتشاف هائل في الوادي، مقبرة كاملة بأختامها، كل شيء مغلق لحين وصولك. تهانينا.” وحتى ذلك الحين لم يكن كارتر يعلم هل اكتشف مقبرة أم مجرد مخبأ ولكنه تأكد عندما شاهد ختمًا واضحًا بأحد الأبواب المحروسة بين تمثالين.

جاء كارنارفون وابنته، وآخرون. قام كارتر بعمل “الكسر الصغير” الشهير في الزاوية الشمالية لمدخل المقبرة، وأصبحت بادية للعين بواسطة ضوء شمعة، حيث شوهدت الآثار الذهبية الخاصة بالمقبرة بالإضافة إلى الكنوز الأثرية من خشب الأبنوس التي بقيت في مكانها منذ ذلك الوقت. عندما سـأله كارنارفون: “هل وجدت شيئًا؟”. قال نعم: “أشياء مذهلة”.

قال كارتر في مذكراته. بعد أن أحدث ثقبًا صغيرًا في المدخل، وأطل كارتر منه، وكانت معه شمعة في يده: “كان ذلك في وقت ما قبل أن يرى الإنسان، تسبب هروب الهواء الساخن في وميض الشمعة، ولكن بمجرد أن تعتاد عين الإنسان على بصيص الضوء، بدأ الجزء الداخلي للغرفة يلوح في الأفق تدريجيًا أمامه، بمزيج غريب ورائع من الأشياء الاستثنائية والرائعة. الأشياء الجميلة المكدسة على بعضها البعض.”

هكذا سقطت مزاعم علماء الآثار أمثال “بلزوني” و”ماسبيرو” و”شامبليون” ممن عملوا في وادي الملوك، وزعموا أنه لم يعد هناك شيء في بطنه، وهكذا تأكد ويتأكد للعالم أن الرمال المصرية لم تبح بكل أسرارها بعد وما تزال تحتفظ بالكثير من الآثار الرائعة في بطنها لأجيال عديدة قادمة حتى تظل مثيرة للدهشة إلى أقصى درجة ممكنة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

ثم توالت بعد ذلك مراحل الكشف الأخرى على مدى السنوات العشر التالية، أشرف كارتر على نقل محتويات المقبرة، والتي تم نقلها إلى المتحف المصري بالقاهرة، ثم تم نقل أغلبها إلى بيت توت عنخ آمون الجديد أو المتحف المصري الكبير بالجيزة في الفترة الأخيرة.

هل سرق كارتر آثارًا من مقبرة توت عنخ آمون؟

ظهرت أدلة جديدة تتحدث عن “سرقة” عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر لبعض مقتنيات مقبرة توت عنخ آمون عند اكتشافه لها. وهناك رسالة كتبها عالم الآثار البريطاني آلان جاردنر، والذي كان يعمل ضمن فريق حفائر كارتر، تتحدث عن سرقة بعض مقتنيات مقبرة توت عنخ آمون. ويعود تاريخ الرسالة إلى عام 1934، حين استعان كارتر، بزميله جاردنر، لترجمة النصوص الهيروغليفية التي اكتشفها، وأرسل له “تميمة”. وقال وقتها إنها ليست من مقتنيات الفرعون الذهبي. غير أن المدير البريطاني للمتحف المصري بالقاهرة، آنذاك، ريكس إنجلباخ، والذي عرض عليه جاردنر التميمة أكد أنها تتطابق والنماذج التي عُثر عليها بمقبرة توت عنخ آمون. وفي رسالته قال جاردنر مخاطبًا كارتر: “التميمة التي عرضتها على مسروقة بلا شك من مقبرة توت”.

من المقرر أن تنشر هذه الرسالة، ضمن كتاب سيصدر قريبًا من مطبعة جامعة أكسفورد تحت عنوان “توت عنخ آمون المقبرة التي غيرت العالم”، للمؤلف بوب براير، عالم المصريات في جامعة لونج آيلاند.

سرق كارتر بالفعل بعض مقتنيات توت عنخ آمون؛ وأكبر دليل على ذلك أن متحف المتروبوليتان قد أعاد لمصر قطعًا مسروقة من مقبرة توت وعددها 19 قطعة أثرية من متحف المتروبوليتان، كانت ضمن مجموعاته منذ أوائل القرن العشرين، ويتراوح ارتفاعها بين سنتيمتر واحد و1.9 سنتيمترات. وكانت تلك القطع الصغيرة عبارة عن نموذج للنحت وكلب من البرونز، وجزء من إسورة على شكل “أبو الهول”. وكانت تلك القطع الأثرية ضمن القطع التي كانت موجودة في مقبرة الملك توت عنخ آمون.

ولا نعرف إلى الآن مكان أو عدد القطع التي سرقها كارتر، لكنها بالتأكيد قطع أثرية ثمينة؛ لأنها تعود لتوت عنخ آمون، فرعون المجد والخلود، ومن حق مصر المطالبة بعودة أية آثار من مقبرة توت، بموجب العقد الذي وقعه صاحب امتياز الحفائر اللورد كارنارفون مع الحكومة المصرية في ذلك الوقت.

يرجع الحديث عن سرقة كارتر لبعض مقتنيات المقبرة إلى عام 1947. عندما قال عالم ترميم الآثار الشهير ألفريد لوكاس، وأحد العاملين لدى كارتر، لمجلة علمية كانت تصدر بالقاهرة صرح بأن كارتر فتح بمفرده حجرة دفن المقبرة في السر، ثم أعاد غلق المقبرة. وكانت هناك شكوك تتحدث عن اقتحام المقبرة قبل افتتاحها الرسمي، وأخذ بعض المقتنيات، وبيعها في الخارج، لكن كارتر لم يعترف بذلك أبدًا، كما لم يصدر منه نفي رسمي، غير أن الحكومة المصرية في ذلك الوقت قد أبعدته لفترة عن المقبرة. وكانت هناك آراء سلبية ضده، واتهامات كثيرة بالسرقة له. ولم يتمكن المصريون من إثبات شكوكهم، على الرغم من قناعتهم بأن كارتر كان يخطط لسرقة رأس خشبي لتوت، كان قد وُجد معه في ذلك الوقت، دون أن يتم ذكره في السجلات. ودافع كارتر عن نفسه آنذاك وقال إنه عثر عليها بين بقايا الأنقاض في الممر!

في النهاية، أردد مع “كارتر” قوله: “ما يزال الغموض في حياة الملك توت عنخ آمون يلقي بظلاله علينا، فعلى الرغم من أن تلك الظلال تنقشع أحيانًا، فإن الظلمة لا تختفي من الأفق أبدًا.”

وهذه هي ميزة من ميزات الحضارة المصرية القديمة العريقة في الحقيقة.

وتبقى قصة حياة كارتر وقصة اكتشافه لمقبرة توت عنخ آمون قصتين مثيرتين تمامًا مثل قصة حياة وممات الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون.

زر الذهاب إلى الأعلى