أخبار مصر

اليعسوب

وقت النشر : 2022/12/21 03:29:28 PM

اليعسوب
بقلم: حاتم الغيطاني

على شاطئ البحر جلس بجواري عائلة يبدو على مظهرهم أثر التدين، وهذا لا أعتد به إلا إذا صَدَّقه العمل، وكيف لي أن أعلم؟ فلا يعلم الغيب إلا الله سبحانه.
ولكن بعدما استقر بهم المجلس على الشاطئ جاءت بقية العائلة يزفون يعسوبا قد أجلسها كبر السن والمرض كرسيا متحركا حتى وصلت إلى ماء البحر، فنزع عنها أولادها وأزواج بناتها هذا الكرسي الكئيب،

وأجلسوها برفق كرسيا ممن يجلس عليه الأصحاء مثلهم، وحملوها إلى الماء في إلحاح منهم لطيف مدلل؛ ليعالجوا به رفضها الحيي من نزول الماء مع الصغار، والشباب وقد التف حول هذه اليعسوب أولادها، وزوجاتهم، وبناتها، و أزواجهن، والأحفاد، وكلهم يتعاونون بود؛ ليخرجوا هذه الأم من قيد المرض بأفعال تلقائية، وحركات لطيفة يداعبونها، فتمرح بالماء كما يمرحون، وتأكل معهم رقائق الطعام والفاكهة كما يأكلون، ثم قاموا بحفل ظريف – نراه يصنع للأطفال عندما يرفضون الدواء – فصنع لها مثله، لتأخذ الدواء فأخذته، وقد تقاطرت من وجهها السعادة بهذا البر اللطيف النابع من أعماق النفس المؤمنة الصدوق.

وكأنه قد حال ملح ماء البحر إلى عسل مصفى من عسل الجنة قد صنعه بر أولادها، وبناتها، وزوجاتهم، وأزواجهن، والأحفاد، وقد صنع ببر، ورحمة، وطاعة لله كما تصنع النحل الشغالات عسل ملكة النحل (اليعسوب).
مشهد تقاطرت له دموع عيني الاثنتين بنحيب مؤلم؛ لأنني تذكرت أمي – رحمها الله – وهي مريضة في أيامها الأخيرة.
وبعدما أشبعت حاجة نفسي من البكاء وعاد إلي رشدي، تيقنت من شيء هو أن العائلة التي رأيت فيها مظهر الدين في ملابس النساء ولحى الرجال، قد أثر الدين في سلوكهم البار الحنون بهذه الأم التي قد رُدَّ لها ما أحسبه أنها فعلته ببر والديها وهي صغيرة فعاشته في كبرها؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تُدان.

زر الذهاب إلى الأعلى