أخبار مصر

الفقي والتخطيط العمراني للمدن المستقبلية بمصر الجديده

وقت النشر : 2023/03/23 11:32:27 PM

الفقي والتخطيط العمراني للمدن المستقبلية بمصر الجديده

البحر الأحمر مصطفى شوقي

الدكتور المهندس هاني عيسي الفقي استشاري التصميم الحضري
يوكد أن تخطيط المدن المستقبلية في ضوء نموها المتسارع
بين بناء مدن جديدة و تطوير مدن قائمة
في ظل النمو المتسارع لسكان العالم والذي فاق في الإحصائيات الأخيرة ال 7.6 مليار نسمة، يتزايد أيضاُ عدد سكان المدن وبالتالي تزداد نسبة التحضر، ففي عام 2007 عاش أكثر من نصف سكان العالم في المدن، ولكن هذه النسبة ستقترب إلى ثلاثة أرباع السكان في عام 2050، في الوقت الذي سيصل فيه عدد سكان العالم إلى 9 مليار بدلاً من 7 ، بمعنى أنه سيتم كل أسبوع بناء ما يعادل مدينة جديدة عدد سكانها (1.4مليون شخص) وبحسب الدراسات فإن أعلى معدل للنمو في سكان الحضر سيكون في الصين والهند والولايات المتحدة وإفريقيا. إن هذا النمو أدى إلى الكثير من المشاكل على مختلف الأصعدة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والعمرانية. وفي ظل تفاقم مشكلات النمو الحضري وتبعاته السلبية على واقع المدن والمراكز الحضرية الكبرى، إنتهجت الدول سياسات شاملة وطنية وعالمية من خلال إتخاذ مجموعة من التدابير التي تخفف من هذه المشاكل أو تحدها كما ظهرت العديد من النظريات التخطيطية لنفس الغرض. بناءً على ذلك تطرح دائماً الأسئلة التالية: ما هو وضع مدننا في المستقبل؟ وكيف سيتم التصدي لكل هذا التعقيد الموجود في المدن؟ وكيف سيتم توفير السكن والخدمات المناسبة للسكان في ظل النمو الكبير للمدن؟ هل بناء مدن جديدة يعتبر حلاً جيداً؟، وما هي النظريات التي وضعت والتجارب التي دُرست أم أن تطوير المدن القائمة يعتبر حلاً لهذه المشاكل۔ ناهيك عن المشاكل التي قد تنجم من الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات أو السياسية كالحروب مثلاً۔ قبل البدء بالحديث عن المدن المستقبلية لابد أن نعرف ما يعنيه مفهوم المدينة. فإنه من الصعب إحاطة المدينة بتعريف بسيط، فمعظم التعاريف المتاحة هي تعاريف إحصائية أو وصفية ولا تستوعب الطبيعة المعقدة والمتعددة الأبعاد والمتغيرة للظاهرة الحضرية، وتعرَف المدينة أيضاً بحسب إختصاص كل باحث، فعلماء الإجتماع يعتبرون المدينة منطقة طبيعية لإقامة الانسان المتحضر، لها أنماط ثقافية خاصة بها، حيث تشكل بناءً متكاملاً يخضع لقوانين طبيعية وإجتماعية على درجة عالية من التنظيم . فحياة المدينة هي تطور مبتكر هي خلق مستمروبالتالي الهروب من الحتمية، لذلك يجب على المرء صياغة مفهوم المدينة من وجهة نظر التغيير المستمر الذي يجب على المرء أن يفكر فيه. وكمثال توضيحي: يمكن ملاحظة أن المناطق السكنية التي بنيت في سبعينات القرن الماضي سيكون من الصعب عليها مقاومة التجديد الذي سيحدث عام 2050، لذلك وبالتوازي مع التغيرات الديموغرافية سيؤدي ذلك إلى ترحيل وقمع هؤلاء القاطنين، وهذا ما يحدث الآن بالفعل في بعض المدن الأمريكية. أما بعد النصف الثاني من القرن العشرين والذي يتميز بثورة علمية وتقنية ذات تأثير جوهري على كل من محور الإنتاج وأنظمة توزيع السكان وتخطيط وبناء المدن حيث التوسع الهائل في أرض المدينة على حساب الأراضي الزراعية بإنشاء العمارات العالية وإستخدام الفراغات تحت الأرضية فقد ظهرت نماذج أخرى من المدن بعضها نُفذ والآخر كان محض خيال ۔ ظهرت نظرية المدن الجديدة عند تطبيقها في فرنسا في الخمسينات بهدف تخفيف الضغط عن العاصمة باريس بعد أن كانت مرافقها لا تتحمل مزيداً من الضغط السكاني عليها. الأمر الذي تظهر آثاره في زيادة كثافة المرور في الشوارع والطرقات مع زيادة إستهلاك المياه والصرف الصحي والكهرباء، ومع ما ينتج عن هذه الزيادات من آثار سلبية على البيئة العمرانية والثقافية والسياحية للمدينة. إنتقلت النظرية وتوابعها إلى بريطانيا فتم إختيار عدة مواقع لمدن جديدة حول مدينة لندن وذلك بهدف خلخلتها من السكان وإعادة التوازن العمراني لها وكذلك دفع رؤوس الأموال من الإستثمارفي ضواحي لندن إلى الإستثمارفي التجمعات العمرانية الجديدة حيث تتوفر الطاقة والعمالة والنقل والاتصالات. فأقيمت حوالي خمسة مدن جديدة بعضها يقع في إطار الإقليم التخطيطي للندن الكبرى والبعض الآخر يقع في الإقليم الأكثر تخلفاً تنموياً وصناعياً وعمرانياً وقد وضعت المخططات العامة للمدن الجديدة، لتستوعب ما بين 50,000 إلى 150.000 نسمة تبعاً لحجم الطاقة الإستيعابية المتوفرة في المكان وفي ضوء التقديرات المتوقعة للتنمية الصناعية في كل مدينة ومدى رغبة أصحاب الصناعات الكبرى في إستثمار مواقع لهم في المدن الجديدة مع الإهتمام بنتوفير عناصر جذب تحددها الدولة، سواء البنية الأساسية أو الإعفاء الضريبي لفترة محددة من الزمن أو الإعفاء من مقدمات المساكن للراغبين في السكن سواء بالتملك أو من خلال الجمعيات العقارية أو بالإيجار للمستثمرين في الإسكان. كل ذلك مع إعطاء الأولوية لتوفير الخدمات التعليمية والصحية والتجارية والإدارية في المدن الجديدة في الوقت الذي تعمل فيه الدولة على الإقلال من توفير نظائرها في العاصمة الكبيرة، وزيادة الضرائب التي تحصل من الخدمات فيها.وهذا بهدف زيادة عوامل الجذب في المدن الجديدة مع زيادة عوامل الطرد من المدن القديمة الكبيرة بما تسمح به السياسات المالية والإقتصادية للدولة.
وعودة إلى المثال المصري فنجد مدينة العاشر من رمضان أولى المدن الجديدة التي بدأ إنشائها عام 1975 على بعد 45كم من القاهرة على الطريق السريع بين القاهرة والإسماعيلية، وقد أعد لها تخطيط عام تحددت فيه إستعمالات الأرض ومراحل التنمية وشق شبكات الطرق والمرافق العامة وتشجير الطريق السريع والطرق الداخلية. وكانت النتيجة واضحة في الإقبال الكبير على أراضي المصانع حيث حوافز الإعفاء الضريبي على ما يقام عليها من مصانع لمدة عشرة سنوات وحيث السعر الأقل كثيراً عن السعر في أي موقع آخر في قلب الوادي الضيق. الغريب في الأمر أن مخطط القاهرة لعام 2017 تصل أطرافه الشمالية إلى حدود مدينة العاشر من رمضان فتصبح بذلك ضاحية أخرى لمدينة تعدادها 16 مليون نسمة، فعلى الطريق الإقليمي الذي يصل القاهرة بالإسماعلية تمتد العديد من المنشآت التعليمية من مدارس وجامعات ومعاهد ومؤسسات خاصة تربط ما بين القاهرة والعاشر من رمضان وتؤكد مستقبلها كضاحية للقاهرة، ويصبح بذلك الطريق السريع طريقاً لخدمة هذه المنشآت التي وجدت لها متنفساً خارج القاهرة، ومن الملاحظ أيضاً أن مباني الخدمات التعليمية والتجارية التي أقيمت في العاشر من رمضان تخدم سكان القاهرة أكثر مما تخدم سكان المدينة الجديدة حيث ينتقل إليها الطلبة والأساتذة والمدرسون المقيمون في القاهرة، تماماً مثل النسبة الكبيرة من العاملين في المصانع التي زاد عددها وفاق كل المعدلات المخطط لها، يقيم بعضهم في القاهرة والبعض الآخر في المدن القديمة القريبة۔
إن تعمير المدن عملية تنمية مستمرة لكائن عضوي يتأثر بعوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية وإقليمية تساهم في نموه أو تحد من نموه، فعملية التعمير ليست عملية ميكانيكية حسابية يمكن قياسها لتقييمها، فكم من المدن الجديدة في بريطانيا توقفت عند حد معين ولم تصل إلى الحجم الذي خططت له۔

زر الذهاب إلى الأعلى