أخبار مصر

7 أكتوبر وجيش الجِعرات

وقت النشر : 2023/11/14 07:47:42 AM

7 أكتوبر وجيش الجِعرات

بقلـم: أحمد محمود شحاتة

يعد أكبر بلطجي في المنطقة رغم أنه ليس من أبنائها بل حط عليها كالداهية بإيعاز ودعم من مسئول كبير؛ إنه شكلول، سماع اسمه يسبب الرعب، رؤية منظره تسبب الهلع، قصصه الإجرامية لا تسلاها الألسنة، ولا تملها المقاهي والمصاطب والقعدات ونوادي القوم، حين تسمع وصفه كأنك ترى وحش كاسر، ريح عاصف، إعصار كاسح، زلزال مدمر، قوة فتاكة، وجه مشوه وقلب ميت، غلظة وشدة، جفاء وقسوة، سرقة وعنف وحرق وقتل بلا هوادة ولا شفقة ولا رحمة، هو الإجرام متمثل في صورة بشر، هذه هي الصورة التي رسمها شكلول لنفسه في عقول أهالي المنطقة، لتظل سيطرته على المنطقة مطلقة، لا منافس ولا منازع ولا معارض.

استطاع شكلول خلق هذه الأسطورة عن نفسه من خلال مجموعة من الجرائم التي ارتكبها ولكنها في حق ضعفاء، مستغلا في ذلك بنيته الضخمة ووجهه المشوه بآثار جروح وندبات قديمة أصيب بها في معاركه، واحدة من جرائمه في حق الضعفاء أنه ذات يوم اعتدى بالضرب على بائع ضعيف في المنطقة فأصابه بالشلل بعد أن رفعه عاليا وطرحه أرضا فارتطم عموده الفقري بحجارة الرصيف فأصيب بالشلل الرباعي، ولم يكتفِ بذلك بل تمادى في غيه حين وصل مسرعا ابن البائع الصغير ذو السبعة عشر عاما ليدافع عن أبيه، فطعنه شكلول طعنة غائرة بسكين طويل “سنجة” يحملها في يده فقتله على الفور، واعتدى على زوجة البائع وابنته بالضرب والشتم والقذف بأقبح الألفاظ وأشنعها، كل هذا في وضح النهار على مرأى ومسمع من أهالي المنطقة، الذين لم يحركوا ساكناً فلا نصروا المظلوم ولا أخذوا على يد الظالم، شعر شكلول بالانتصار والقوة والنشوة، فتمادى في غيه وطغيانه، وساعده على ذلك سكوت أهالي المنطقة عن ظلمه لبعضهم، وتملك الرعب من قلوبهم تجاهه، وزادت قناعتهم أنه لا يقهر.

وتمر الأيام تلو الأيام والشهور تتبعها الشهور والأعوام تلاحقها الأعوام إلى أن شب حسام أحد أبناء المنطقة وأصبح في ريعان الشباب، هو طالب جامعي ولديه دراجة نارية يعمل بها عامل توصيل بأحد المطاعم “ديليفري” بعد انتهاء دوامه بالجامعة.

لم يكن حسام منذ طفولته مقتنعًا بأسطورة شكلول فكان يراه دائمًا ليس إلا لصًا سارقًا وغاصبًا وعنده ضعف كسائر البشر، وذات يوم وأثناء عودة حسام من الجامعة وبمجرد دخوله المنطقة سمع صراخًا ورأى تجمعًا كبيرًا للناس حول شخص ملقى على الأرض مضرجًا في دمائه، نظر إليه حسام فأصابه الهلع وصرخ بأعلى صوته لاااااااااا فقد كان القتيل أباه، رفعه حسام من الأرض وضمه إلى حضنه وهو يبكي، وقبل أن يسأل عن الفاعل سمع الناس من حوله يقولون الله ينتقم منه شكلول الله ينتقم منه حسبنا الله ونعم الوكيل، فهب حسام حاملًا أباه بين يديه قائلا هتشوف هعمل فيك إيه يا شكلول يا ابن الحرام، هتشوف هعمل فيك إيه، وامتلأ وجهه بالإصرار وسط تشكك من أهالي المنطقة في قدرة حسام على فعل شيء مع شكلول، وقناعتهم إن كلامه ما هو إلا كلام انفعالي حزنا على أبيه.

مرت الأيام تلو الأيام والوضع كما هو عليه شكلول بعصابته يعيث في المنطقة فسادًا ولا يأبه لأحد ولا يثنيه أحد عن غيه وإجرامه، إلى أن جاء اليوم الموعود الذي تبدل فيه كل شيء يوم السابع من أكتوبر.

في ذلك اليوم استيقظ شكلول وقت الفجر على رائحة دخان وصوت نار ولهب يلتهم أجزاء من وكره الذي يقيم فيه وتحرسه أفراد عصابته، فهب مذعورًا لا يدري ما الذي يحدث ونادى على رجاله فلم يجبه أحد فظن أنهم نائمون فرفع صوته بالنداء شاتما إياهم بسباب قبيح، فلم يجبه منهم أحد، خرج هاربا من النار متوجها إلى باحة الوكر حيث يوجد أفراد عصابته للحراسة فرآهم جميعا ملقون على الأرض بجانب الأسوار، ظنهم نائمين فصرخ فيهم شاتما بسباب أقبح، ولكن لم يجبه أحد أيضًا فقد كانوا جميعا صرعى جراء وجبة دسمة محشوة بالسم الزعاف، أحضرها إليهم ليلا عامل توصيل “ديلفري”، فعندما أيقن بموتهم ازداد زعره ورعبه ولا يدري ما الذي يحدث، ولا يدري ماذا يفعل، أسرع متوجها لباب الوكر فارا بنفسه من الحريق الهائل الذي لن يلبث أن ينفجر خلال لحظات كالقنبلة عند وصول النار إلى ماسورة الغاز الطبيعي، وما إن وصل إلى البوابة الحديدية ومد يده إليها ليفتحها لينجو بنفسه حتى تيبست يده بالباب وصعق بالكهرباء، ومن خارج البوابة يقف شاب ملثم ممسكا بأداة عازلة بها وصلة من كابل “سلك” الكهرباء العمومي الذي يغذي عمود الإنارة بالشارع، وملصقا طرف الكابل المشكوف “السلك العريان” بحديد البوابة، وهو ينظر إلى شكلول وهو يصعق أمامه ويقول له “قولتلك هنتقم منك يا شكلول يا ابن الحرام” ثم وما لبث شكلول أن فقد وعيه من شدة الصعقة، حتى فصل الملثم الكابل عن البوابة وتوارى عن الأنظار، وبعدها وقع الانفجار الهائل وأصيب شكلول بإصابات بالغة وخطيرة علاوة على الصعق بكهرباء الفولت العالي، وهكذا تمرغت أسطورة شكلول في التراب وعلم الجميع أن شابًا واحدًا على حق استطاع هزيمته هزيمة نكراء، وانتهت للأبد اسطورة شكلول الذي لا يُـقهر.

ما حدث بين حسام وشكلول وأهالي المنطقة، هو بالظبط ما حدث في 7 أكتوبر 2023 ومازال يحدث حتى كتابة هذه السطور بين حماس وإسرائيل داخل المنطقة العربية في معركة طوفان الأقصى، والتي حطمت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، والعبرة لمن وعى وتدبر.

يمتلك جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يبلغ قوامه حوالي 180 ألف جندي أساسي و2.7 مليون جندي احتياطي “يظل الجنود على قوة الاحتياط حتى سن الـ43 عاما”، يمتلك ترسانة عسكرية هي من بين الأقوى في العالم تضم 185 طائرة مقاتلة F-16 من طرازين، عدد 58 طائرة F-15، عدد 18 طائرة F-35 الشبح، عدد 128 مروحية عسكرية، وعدد 211 طائرة حربية مختلفة الطرازات والمهام ما بين طائرات شحن عسكري وطائرات لتنفيذ المهام الخاصة، إضافة إلى مئات الطائرات المسيرة، تنطلق هذه الترسانة الجوية من 24 مطار عسكري يمتلكها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

أما القوات البرية فيمتلك جيش الاحتلال 1650 دبابة بينها 500 من فئة الميركافا الأقوى تصفحا والأغلى في العالم، عدد 7500 مدرعة قتالية، عدد 650 مدفع ذاتي الحركة، وعدد 300 مدفع ميداني، إضافة لمئات الآلاف من الرشاشات والقنابل اليدوية والأسلحة الخفيفة، فيما يمتلك جيش الاحتلال قوات بحرية قوامها 48 سفينة حربية، عدد 5 غواصات، عدد 4 طرادات، وعدد كبير من الزوارق الحربية المزودة بالصواريخ.

ويحمي جيش الاحتلال نفسه ومواطنيه بمنظومة القبة الحديدية التي تتكون من 10 بطاريات لإطلاق الصواريخ كل بطارية بها 3 قاذفات كل قاذفة تحمل 20 صاروخا، ويتوج كل هذه الترسانة الضخمة بالسلاح النووي حيث يمتلك جيش الاحتلال حوالي 200 قنبلة نووية جاهزة للاستخدام إضافة لامتلاكه كميات كبيرة من اليورانيوم والبلوتونيوم تسمح له بإنتاج 100 قنبلة نووية إضافية.

أمام هذا الجيش المدجج بهذه الترسانة الضخمة من الأسلحة الأحدث والأكثر تطورا في العالم، ماذا تمتلك المقاومة الفلسطينية لمواجهته بل وإلحاق الخسائر به! إن أقوى وأغلى ما تمتلكه المقاومة الفلسطينية هو الحق والعدل، فهي صاحبة الحق في الأرض وصاحبة قضية عادلة، تقاتل للدفاع عن أرضها ومقدساتها، والله سبحانه وتعالى يقوي صاحب الحق.

إضافة للقوة المستمدة من عون الله ثم عدالة قضيتها، تشير بعض التقارير إلى أن كتائب عز الدين القسام وهي الفصيل الأكبر من فصائل المقاومة تمتلك وحدها في المتوسط حوالي 40 ألف مقاتل موزعين على 30 كتيبة و100 سرية، وقد شاركت في معركة طوفان الأقصى بحوالي 1000 مقاتل من عناصر النخبة في هجوم اليوم الأول 7 أكتوبر.

ومن ناحية القوة الصاروخة تمتلك القسام منظومة من الصواريخ محلية الصنع، تصنعها داخل ورش خاصة بها، يُقدر حجمها بين 3 آلاف إلى 10 آلاف صاروخ في بعض التقديرات، وفي تقديرات أخرى 30 ألف صاروخ متعددة الطرازات ما بين “القسام1” الذي يبلغ مداه 3 كم، مرورا بـ “اس اتش 85” الذي يبلغ مداه 85 كم وصاروخ “آي 120” الذي يبلغ مداه 120 كم، و “آر 160” الذي يبلغ مداه 160 كم وانتهاء بأقوى صاروخ تمتلكه القسام وهو “عياش 250” الذي يصل مداه إلى 250 كم.

أما عن ترسانة القسام الجوية فجل ما تمتلكه هو الطائرات المسيرة مثل طائرة “أبابيل1″، “أبابيل 2″، وطائرة “شهاب”، كل هذه الطرازات تستخدم لمهام استطلاعية أو حمل روؤس متفجرة لقصف قوات العدو عن بعد، وظهرت أحدث طائرات القسام المسيرة وهي طائرة “الزواري” الانتحارية التي استخدمتها في اليوم الأول من معركة طوفان الأقصى، إضافة لوحدة جوية أعلنت عنها القسام لأول مرة في معركة طوفان الأقصى وهي “وحدة صقر” العسكرية الجوية التي نفذت العبور الجوي في معركة طوفان الأقصى مستخدمة دراجات مزودة بمروحيات ومظلات لعبور الحدود والسياج الفاصل وصولا إلى معسكرت الاحتلال والاشتباك مع جنوده.

أما عن القوات البرية فلا تمتلك حماس دبابات ولا ناقلات جند مدرعة ولا عربات مشاة، لذلك تستخدم قواتها البرية سيارات دفع رفاعي معدلة في ورش القسام ومزودة بمدافع رشاشة، إضافة للدرجات النارية الخفيفة، إضافة لمدافع الهاون وقاذفات صورايخ آر بي جي وصواريخ الياسين 105 محلية الصنع.

ومن ناحية القوات البحرية تمتلك القسام فرقة “كوماندوز بحرية” شاركت بها في معركة طوفان الأقصى، حيث قامت الفرقة بعملية إنزال على شواطئ جنوب عسقلان وكبدوا العدو خسائر فادحة وفق بيان القسام.

المقارنة بين القوتين العسكريتين الإسرائيلية والفلسطينية هي مقارنة مجحفة، لأنك تقارن فيل بنملة، ورغم ذلك فإن هذه النملة واجهت هذا الفيل المدجج بالسلاح وكبدته خسائر فادحة وألحقت به الخزي والعار بقياداته قبل جنوده، فهاج هذا الفيل كالمجنون لا يلوي على أحد يدهس بلا رحمة ولا شفقة كل روح يقابلها، وينتقم بعنف من الأطفال والنساء والمدنيين، حتى المستشفيات التي تعالج الجرحى والمصابين لم تسلم من انتقامه الوحشي اللاإنساني.

ورغم كل هذا القصف والدمار الذي أحدثه جيش الاحتلال في قطاع غزة، إلا أن أهله صابرون محتسبون ومقاتليه صامدون في الميدان بل ويلحقون به خسائر فادحة وصلت حتى كتابة هذا المقال إلى ما يقارب الـ 140 آلية عسكرية ما بين دبابة وجرافة وناقلة جند دمرها مقاتلو القسام بقذائف الياسين 105 المحمولة على الكتف، في وسط ذهول جيش الاحتلال وقيادته الذين تسمروا وتيبسوا في أماكنهم لا يدرون ما يفعلون، حتى أصبح كل واحد فيهم كقطعة العذرة “البراز” المتيبسة في الدبر التي يطلق عليها في اللغة “الجِعر” فأصبح هذا الجيش حقًا “جيش الجعرات”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى