أدبي

دعوة فرح

وقت النشر : 2021/12/15 06:40:26 AM

دعوة فرح

قصة قصيرة

بقلم: د. أسماء أحمد

لكل منا أشياء في قلبه يحتفظ بها لنفسه ويسألها كثيرا كيف احتفظتِ بها كل هذا الوقت وبدون البوح لأحد، وإن استطعت البوح فلمن يكون؟

كان هذا سؤال بطلة قصتي (أميرة) سألته لنفسها بعد أيام مما حدث.

أميرة، فتاة رقيقة مرهفة الحس، أحست ولأول مرة بما يسعد قلبها، ارتعد جسدها لشعور عظيم يبهج النفس ويعلو بها نبض قلبها، وضعته في أحلامها فارسا لها، تراه من خلف زجاج نافذتها المطلة على بيته، تشاهده بين الحين والآخر وكلما شاهدته يحدث ما يربكها وما يجعلها غير قادرة على مقاومة ردة فعل جسدها تجاه رؤيته حنينا إلى أحلام وردية بحياة سعيدة معه.

كان يمر أمام بيتها تشاهده بهيئته التي حفظتها عن ظهر قلب: طويل القامة، أبيض الوجه، خطواته رزينة فيزيد حبها له يوما بعد يوم.

كانت لها صديقة منذ طفولتها تدعى(مها)، ولكنها غابت فترة عنها، عاشت فيها خارج البلاد وحينما أخبرتها بقرب عودتها فرحت كثيرا جدا لأنها وأخيرًا ستجد صديقتها الحنونة التي كانت لا تفارقها أبدا.

علمت بموعد رجوعها، واتفقتا معا على اللقاء، استقبلتها في بيتها وكان اللقاء حارا جدا لأنها أخيرا وجدت أختها ورفيقة دربها.

تحدثتا عن كل شيء ثم سألتها في نهاية لقائهما:

– وماذا عنك وعن قلبك؟

لمعت عيناها وقالت لها بخجل:

– لقد دق قلبي أخيرا.

فرحت مها واحتضنتها قائلة:

– أنا سعيدة بك جدا حبيبتي، ثم نظرت إلى ساعتها وقالت:

– مر الوقت سريعا، أستأذنك غاليتي بالذهاب على وعد بلقاء آخر لتحكي لي فيه تفاصيلا أكثر وأكثر.

قابلت أميرة صديقتها بعدها بأيام وقالت لها إنها تعشقه وهو لا يعلم، وسألتها كيف لها أن تخبره فهو لا يشعر بها ولا يدري، وأنها تدعو ربها أن يجعله رزقها فهو يمتلك ما تتمناه أي فتاة إضافة لأنه امتلك قلبها.

حكت لها كثيرا عنه وذكَّرتها به فمها تعرفه جيدا، فرحت لها كثيرا وعبرت لها عن إعجابها بشخصه وسمعته الطيبة وأنها تستحقه وأكثر وتمنت أن يرزقها الله به فأميرة لم تكن صديقتها فحسب بل أختها التي تتمنى سعادتها.

وبعد أيام اتجهت مها إلى عملها وأثناء عودتها تعطلت سيارتها فوقفت تشير لأي سيارة قادمة،

وفي تلك اللحظة وجدته هو القادم (حازم) حبيب أميرة صديقتها التي تتمنى أن يجمعهما القدر سويا.

وقف بسيارته وسألها عن الأمر، حكت له ما حدث فعرض عليها أن يعود بها إلى بيتها بعد أن عرَّفته بنفسها وأنها صديقة أميرة جارته.

طال الحديث بينهما حتى وصلا إلى بيتها ثم شكرته على صنيعه وأعطاها رقم هاتفه وأخبرها أن لديه معرضا للسيارات ولا يجب أن تتردد في الاتصال به إن احتاجت للمساعدة.

دخلت مها بيتها وهي في حيرة ماذا ستفعل بسيارتها، ثم اهتدت لأن تبيعها وتشتري أخرى.

وبعد أيام اتصلت بحازم تستشيره بشأن سيارتها وأنها تريد أن تشتري أخرى فعرض عليها زيارة معرضه وتختار ما تريد فوافقت على وعد بالذهاب قريبا.

ذهبت أميرة لزيارة صديقتها في بيتها وحكت لها ما حدث ووعدتها بأنها ستحاول أن تقرب بينهما حتى يشعر بها ويتقدم لخطبتها فهي تحبها جدا وستفرح لها كثيرا إن تم زواجهما.

شكرتها كثيرا لمشاعرها ووعدتها مها بأن تنقل لها الأخبار أولا بأول.

وبعد فترة اتصلت بها لتعرف ما آل إليه الوضع، وهل تحدثت إليه أم لا، فنصحتها مها بأسف كبير وحزن بالغ بألا تفكر في الأمر فلقد علمت أنه يحب فتاة أخرى وسيتزوجها قريبا، وأخبرتها أنها قد انتهت حاجتها لديه بشراء السيارة ولن تقابله مرة أخرى ومن الأفضل ألا تفكر به وألا تنجرف وراء حب بلا أمل.

حزنت لما أخبرتها به وزرفت دموعها على غير إرادة منها وطلبت رؤيتها فوعدتها باللقاء بعد شهر تقريبا حيث ستسافر لحضور مؤتمر بالخارج.

أغلقت هاتفها وهي حزينة بما علمت وتمنت لو أن حديثها كذبا فماذا ستفعل وهي التي لا إرادة لها على قلبها الذي ينبض بحبه.

مر أكثر من شهر ولم تتصل بها صديقتها، وكلما هاتفتها وجدت هاتفها مغلقا، قلقت عليها كثيرا لأنها ولأول مرة تختفي هكذا! فعزمت على أن تزورها في بيتها لتطمئن عليها، وفي اليوم ذاته وجدت الأضواء والزينة معلقة عند بيت حازم وعندما سألت أخبروها بأن خطبته الليلة وأن الدعوة قد وصلت إليهم منذ البارحة.

اتجهت تبحث عنها في كل مكان وما زالت لا تصدق ما سمعت حتى رأتها على منضدة بعيدة سارعت بفتحها لعل الحديث كذبا، وقعت عيناها على اسمه فامتلأت عيونها بدموعها، دموع تزرف من أجل حب ضائع بلا أمل

أغلقتها على الفور ثم ألقتها بحزن في حقيبتها التي كانت جانبها.

أخذت تبكي بحرقة، تبكي بألم وكأن قلبها شق نصفين، وكأن روحها هربت منها فلا تستطيع أن تلتقط أنفاسها.

أخذت حقيبتها واستقلت سيارتها متجهة إلى بيت مها تسأل عنها فقلبها منشطر بين قلقها عليها وبين صدمتها في حبها الذي ضاع منها، تمنت أن تجدها فتضمها إليها كما اعتادت دوما عندما تهزمها الأيام وتعاندها.

عندما وصلت إلى بيتها وقعت حقيبتها على الأرض فأخذتها بيدها وبدأت تضع بها أشياءها التي تناثرت ومنها تلك الدعوة التي لاحظت أن عنوانها هو نفسه عنوان مها في نفس تلك العمارة السكنية التي تعيش بها.

تعجبت وسألت نفسها كيف يكون ذلك؟ أتكون خطيبته جارة لمها وقد عرفت منها كل شيء حين أخبرتني أن حازم يحب فتاة أخرى؟!

دخلت المصعد، ضغطت على زر الصعود حيث الطابق الذي تعيش فيه صديقتها، وحين خرجت رأت الزينة معلقة أمام شقتها فازدادت عجبا وسألت:

– ماذا يا ترى؟ هل هو زفاف أخيها الذي تحدثت عنه كثيرا والذي تمت خطبته منذ عام؟ وإن كان ذلك لماذا لم تقم بدعوتها؟

رأت الباب مفتوحا يتوافد عليه الكثير من المدعوين، وبخطوات بطيئة للمجهول الذي لا تعرفه وعشرات الأسئلة التي كانت تدور بذهنها دلفت البيت فرأت باقة زهور كبيرة بأوائل حروف من أسماء العروسين في المقدمة والورود في كل مكان وعلى الجانب الآخر الطعام والشراب.

تقدمت قليلا، شاهدت المدعوين حول العروسين، حاولت أن تراهما فلم تستطع، بدأت تبحث بعيونها عن مها في كل مكان وتسأل عنها المارة فلم ينتبه لها أحد.

وبعد لحظات غادر شخص المكان فبدا لها المشهد واضحا جليا.

شهقت عاليا بعد أن وضعت يدها على فمها ثم قالت وبألم بالغ: مها وحازم؟!

صمت المدعوون لصوتها، تعجب حازم من ردة فعلها ونظر إلى مها، رفعت مها وجهها إليها،

التقت عيناهما، سقطت دمعتها، فتركت المكان مهرولة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى