أخبار مصرمقالات متنوعة

أحبكم في الله

وقت النشر : 2022/01/05 10:21:47 PM

أُحبكم في الله

بقلم: صخر محمد حسين العزة.

 

ما أجمل بديع خلق الله! وما أعظم صنيعه وقد تجلَّى خلقه في كُلِّ شيء!

من عطايا ربنا الكريم أن وهب البشرية خيراته وعطاياه، فليحمدوهُ وليشكروهُ على نِعمه، ومن أعظم هذه العطايا نعمة المطر، فما أجمل منظر المطر وهو ينزلُ مُعانقًا الأرض، فتُرحبُ به الأشجار والنباتات فرحة بهذا القادم الجميل الذي سيُلبس الأرض حُلتها القشيبة، ويأتي الربيع ببهجته، وتنشر الأزهار عبق رياحينها الفواحة لكي يتنسّم الإنسانُ عطرها ويقطفها لتكون هديةً لمن يحُب!

فكم يشتاقُ الإنسان للمطر؛ فبدونه ستكون الأرض صحراء قاحلة، ولن تعمر الحياة، ولن تستمر بدونه.

إن حال الإنسان ونفسه كحال المطر والأرض – وهذا فحوى مقالي- وهو العلاقات الإنسانية والتواصل بين الناس، فالإنسان بدون التواصل بالحب والخير تُصبحُ نفسه صحراء قاحلة، لا يكونُ غِذاؤها وارتواؤها إلا بالكلمة الطيبة، وقد حضَّ الله عزَّ وجلْ على التعاون بين الناس في قولهِ: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليمٌ خبير).

إن وسائل التواصل الاجتماعي رُغم بعض سلبياتها إلا أنها قرَّبت المسافات بين الناس وأصبحت جسور المحبة موصولة بين القلوب، فما أجمل وما أبهى التواصل الإنساني النابع من المحبة والوفاء والتفاهم والأخوة الصادقة، وهي صمَّام الأمان في أيُّ علاقةٍ إنسانيةٍ من حُبِّ أو صداقة، ويكون نتاجها السعادة والخير للجميع! وبدون ذلك كُلِّه تُصبحُ الحياة جحيمًا لا يُطاق ويكون فيها التعاسةُ لأبناء البشرية، فالكلمة الطيبة هي كالمطر الذي يروي الزرع وينمو لنحصد ثمارهُ الطيبة، وكذلك هو أثرُ الكلمة الطيبة في النفوس، فكلمتك الطيبة تفرضُ حُبَّ الناس لك، وإذا قوبلت بالإساءة من أحد فيجبُ أن تضع حائط سدٍّ بينك وبين نفسك مُقابل كل عملٍ قد يسيء إليك من طرف الآخرين، فالأمطار الغزيرة قد تجرفُ الوديان، وتُغرِق الزرع وتُدمره، ولكن إذا وضعنا في طريقها السدود نعرف كيف نُصرِّف المياه ونُفيد الزرع منها، وكذلك الحال، اعمل سدًا لنفسك من أجل أن تعرف كيف تتصرف مع من يُسيء لك أو يستفِزَّك وتكبح جِماح نفسك عن الأذى أو الخطأ، وهكذا تُصبح أنت صاحب الفضل عليهم، فاحترامُك لنفسك يفرضُ احترام الناس لك.

إن كلمتي أو أيَّ كلمةٍ تكونُ موجهةِ إلى إيِّ إنسانٍ آخر، قد يُسيء البعض فهم المقصود منها، وما أكون فيها إلا ناصحًا ومُرشِدًا أمينًا، وما ينبثق من نفسٍ داعيةٍ للخير والمحبة للآخرين، وليست نفسًا أمارةً بالسوء تضمُر الحقد والبُغض وكُره الآخرين، وقد قال جبران خليل جبران في ذلك: (بين منطوقٍ لم يُقصد، ومقصودٍ لم يُنطق تضيعُ الكثيرُ من المحبة) وفي هذا السياق تحضرُ المُعادلة الصائبة لأدبيات التحاور ومُلخَّصُها هو (رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأيك خطأُ يحتمل الصواب) فما كلماتي هذه إلا تجسيد للمحبة والوفاء لمن يعرف معناها ويعرفُ قدرها.

قد لا أملك شيئًا لكي أُعطيه، ولكني أتصدقُ بالكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة النابعة من القلب، وعلينا أن نُخالق الناس بخُلُقٍ حسن وبه كسبُ القلوب، وعلينا ألا نكون فوق الجبل لنرى الناس صِغارًا وهم يروننا كِبارًا، بل نكون كِبارًا بينهم بأعمالنا وأخلاقنا وتعامُلُنا، فقد يشُكُّ الناس فيما تقول، ولكنهم سيؤمنون بما تُقدم وما تفعل؛ فالإنسان المُستقيم يُفضِّل احترام الناس لمواقفه على حُبهم لشخصه وإن كان يسعى لتحقيقِ كِليهما، وكما قيل (أفضل الناس من تواضع عن رِفعة، وعفا عن قُدرة، وأنصفَ عن قوة).

رسالتي هذه إلى كُلِّ أحبائي، وإلى كُلِّ إخوتي وأخواتي في الإنسانية، كونوا لبعضكم ناصحين، ولبعضكم مٌحبين، فليست كلماتي انتقاصا من قدركم ولا كلماتكم تنتقصُ من قدري، والناس جميعًا بحاجة للمرشدين من أنفسهم، وهل يمكن للمُسافر أن يهتدي بغير دليل؟!

فمن شاور الناس شاركهم في عقولهم، فعندما نلمسُ الجانب الطيب في نفوس الناس نجد أنَّ هناك خيرًا كثيرًا قد لا تراه العيون لأول وهلة، ولا نحتاج إلا أن نُعزِّزهُ بإيماننا بالله وطاعته، ومن يعمل الخير من أجل الخير فهو إنسان، ومن يعمل الخير تظاهُرًا لكي ينال جزاءه بالثناءِ عليه فهو مُراءٍ.

إن العالم اليوم مُرتهنٌ ومُتأثرٌ بالعُلاقات بين البشر، فبالكُره والحقد والضغينة تنشُب الخلافات ويعُم الدمار، وبتواجد المحبة والأُلفة والود يعُم السلام والاستقرار، وقد دعا الإسلام إلى المحبة بين الناس كافة، وعلينا أن نتذكر أننا خُلفاء الله في الأرض خلقنا لإعمارها بالمحبة والسعادة والخير، وليس بالبغضاء والحقد والشر، وعلينا أن نعرف أن رحلتنا مؤقتة في هذه الأرض وبعدها نعود إلى موطننا الأصلي الذى أتى منه أبونا آدم وأُمنا حواء -وهو الجنة- ولن تحملوا في عودتكم إلا أعمالكم، فاعملوا لذلك اليوم حتى تُفتح لكم أبوابها، وغير ذلك جهنم وبِئسَ المصير.

فاللهم ارزقنا جنة النعيم مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء وصحبه أجمعين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمنُ أحدكم حتى يُحبُّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه).

نسأل الله القبول والمحبة بين جميع أبناء البشرية، وأن يتخلصوا من الأحقاد والضغائن بينهم، ومن صلُحَ قلبه صلُحَ عمله.

زر الذهاب إلى الأعلى