أخبار مصرأدبي

حبات الفول 

وقت النشر : 2022/02/11 06:26:44 AM

حبات الفول

بقلم: حنان الشيمي

الجو مناسب لتدميس قدر من الفول، نقعته قليلا بعد أن نقيته وغسلته ثم وضعته في قدر التدميس.

كان لزاما عليَّ وضع حبات الفول قليلا قليلا؛ نظرا لضيق فوهة القدر.

وحين أنزلتُ حبات الفول شردتُ قليلا؛ تلك

حبة قشرتها صلبة، تذكرت حينما كنت طفلة

صغيرة، وكان ثوب العيد فستانا وفوقه كنزة

من الصوف، لم يعجبني أبدا ارتداء ذلك

الطقم، بكيت بشدة ورفضتُ الخروج من

البيت حتى حضرتْ صديقتي، رأتْ دموعي

ووجهي المحتقن فاستأذنتْ ثم عادتْ بعد

قليل ومعها كوفية عنق زيّنت ثوبي، وأهدتني

معها شريطة شعر مناسبة، لم يكُن ثمنها غاليًا،

ولكنها أحيتْ في قلبي وقتها أن هناك من يهتم لأمري من غير محيط أسرتي.

حبة فول أخرى كانت ممتلئة وعريضة، تذكرتُ

جارتي في الغربة حين سافرتُ لأول مرة في

حياتي، كيف استقبلتني بوجه بشوش وابتسامة عذبة

وقدمتْ لنا في هذا اليوم صينية عشاءٍ كبيرة، عليها أصناف كثيرة من الطعام والمقبلات والحلوى.

حبة فول أخرى لونها مختلف،

تذكرتُ زميلة الدراسة التي كانت دائما تدَّعي

أنها لم تفتح كتابًا ولم تقرأ درسًا وكنا نعلم

كذبها، ولما انتهى العام الدراسي والتحقتْ

بكليةٍ من كلياتِ القمة كنا نتذكر مسلسل كذباتها اليومية ونضحك.

حبة أخرى مشقوقة إلى نصفين، تذكرتُ لما

كنتُ في المرحلة الثانوية ودخلتُ مسابقة

الطالبة المثالية وكانت حينها على مرحلتين؛

اختبارات في المواد الدراسية والعلمية

والثقافية، ومرحلة أخرى من التصويت

الجماعي للطالبات وهيئة التدريس وشئون

الطالبات فيما يشبه استطلاعا للرأي، تذكرت

كيف وصلتُ للمراحل الختامية في المسابقة

لتفوز بها ابنة مدير الإدارة المركزية.

لم أبكِ يومها لأن نظرات الجميع كانت تؤازرني وتشي بأمر دُبر بليل.

حبة فول أخرى ملساء بيضاء رائعة، تذكرتُ يدي التي كانت تشبه ملمس تلك الحبة نعومة وطراوة، وكيف أثنى عليها زوجي ذات مرة، ولما مرت الأعوام وتركتْ على جلدي شيئًا من قساوتها ولم تعد كما كانت سابقا، لكنه لم يجرح مشاعري ولا مرة يأتي فيها ذكر تلك الواقعة، ولا يلتفت إلى تلك الكرمشة وذلك الجفاف الذي بات يصاحبهما. مهما دارت بنا الأيام، والله لا أنساها له، ولا أنسى جبره الدائم لخاطري.

حبات الفول لها قصص تشبه قصصنا، وحكايا لا تختلف كثيرًا عن حكايانا، القضية هي كيف ترى تلك المشاهد، كيف تنظر لما حولك بعين محب فاهم واع ومقدر، كيف تضع يدك على مواضع الألم فيمن حولك.

لا بأس أن تطيِّب الخاطر ولو بكلمة، أن تستبدل عبوس أحدهم وشروده بابتسامة حنونة، أن تغير لون الحزن القاتم في عينيه وتلونه بلطف.

الحياة قاسية بما يكفي، فكن أنت يد الرحمة التي تمتد بالخير، ولو ذكرتك تلك اليد الرحيمة بتلك الحبات التي صارت صحنًا رائعًا من الفول المدمس، فاحمد الله على نعمه الوفيرة، وعطاياه الممتدة.

زر الذهاب إلى الأعلى