أخبار مصرأدبي

إهمال

وقت النشر : 2022/07/19 05:16:59 PM

إهمال

بقلم: شيماء الجمل

بحثت في صحراء مشاعره عن ملجأ فلم تجد، كلما اقتربت منه شعرت ببرودة ورعشة تجتاح جسدها، لم يكن لديها أحد سواه، ولم تكن تريد سوى الشعور باحتوائه لها، انسحبت من أمامه قبل أن تضيع بين مشاغله الكثيرة، سارت مبتعدة بتؤدة، أرسلت خصلات شعرها إلى الخلف في حركة عصبية، استدارت لتشيعه بنظرة أخيرة، ولكنه لم يلتفت ولم ينتبه، ربما أصبحت شبحا أو كرسيا دون أن تشعر.

ابتسمت بسخرية مما آل إليه حالها، اتجهت لغرفتها لتترجم مشاعرها لأحلام سعيدة تخفف وطأة بؤسها.

جافاها النوم، لابأس في أن يفعل هو الآخر فقد أصبح الجفاء سمة العصر، شعرت به ينسل تحت الغطاء يحيطها بذراعيه (ينتهي منها سريعًا ويغط بعدها في نوم عميق) كمن يمارس روتينا مملا يحفظ به ماء وجهه هو فيه الفعل ورد الفعل، وهي المفعول به.

استيقظت في اليوم التالي على قبلة يطبعها على جبينها قبل رحيله، استغرقت وقتا لا بأس به لتعاند رغبة جسدها المُلحة في البقاء في السرير، لا تعلم هل يكون هذا انطفاء، أم أنها فقدت الشغف حين فقدت مشاعرا حارة ولهفة ظنت أنها لا تنضب.

فكرت في حاجتها للتجديد، ارتدت ملابسها وغادرت المنزل، لم يستغرق الأمر سوى بضع ساعات، عادت بعدها لتستعد لاستقباله، أصبحت بكامل هندامها عندما عاد، قابلته بحفاوة ومرح، غالت في مشاعرها حتى لفتت انتباهه لفعلتها،

نظر إليها مشدوها مم فعلت، بادرته قائلة:

– ما رأيك في طلتي الجديدة؟ أعجبتك بالتأكيد، تعجبني أيضا.

كانت تسأل، وتجيب، وتتفحص ملامح وجهه المليئة بالدهشة، تعمدت استفزازه وإثارة غضبه

– ماذا فعلتِ بشعرك؟

– قصصته وتخلصت منه

– بهذه البساطة

– نعم، بهذه البساطة، أعتقد أن هذا حقي، كدت أختنق، تخلصت منه لأتنفس

– ليس من حقك، كان عليك أن تسأليني أولا

– ولماذ أسألك؟! كف عن معاملتي كقطعة أثاث، تعامل أوراقك أفضل مني، تحنو عليها، وترتبها، وتحفظها برفق، تتوتر حين أمسك إحداها، تبعدني متعللا بعمل لا ينتهي

لم تتفاجأ برده المستهلك والمكرر حين قال:

– أفعل هذا من أجلك

ضحكت بسخرية، قصدت أن تكون صاخبة في سخريتها كما كانت صاخبة في ردة فعلها:

– تتركني لأجلي، تسحق أنوثتي لأجلي، تنال من كرامتي وتهملني لأجلي، أنت تقتلني لأجلي!

يا لجحودي لما تفعله لأجلي!!

– متى حدث هذا؟ أنا أعمل لأوفر لك كل ما تحتاجين

– حدث هذا عندما احتجتك ولم أجدك، حدث عندما عاشرتني كحيوان لتحفظ ماء وجهك، عندما أدمنت عملك ووجهت شغفك له وتركتني أتجرع ألم هجرك، أصبحت عبئًا عليك، لا تخدع نفسك بوهم التضحية فأنا كبش فدائك الذي لا تكف عن ذبحه كل ليلة مدعيا أن ما تفعله لأجلي.

– تثأرين مني إذاً! أردت إثارة غضبي.

– أردت العبث بممتلكاتك، لتعلم كم هو مؤلم أن يسلبك أحد ما تحب.

– استرحت الآن؟!

ألقت عليه نظرة حانقة، انقلبت الآية، نال منها، ربح النزال، هي الخاسرة كالعادة

أطالت النظر إليه، حاول الثبات أمامها، توقع كل شيء، إلا أن ترفع مزهرية بجوارها وتهوي بها على رأسه، لم تمهله ليدرك، كانت سرعة التفكير والبديهة رفاهية لم يتثنَّ له استخدامها وقتها، تدفقت الدماء من جرحه وترنح أمامها، أمسك كتفيها فارتدعت وارتجفت بشدة، أغمضت عينيها بخوف، يتشبث بها لآخر لحظة، لا تستطيع الخلاص من يده، فتحت عينيها ببطء حين سمعته يقول:

– ماذا بك؟! أجيبي، استرحت الآن.

يقف أمامها بصورته الأولى، ما زالت المزهرية قابعة فوق الطاولة تسجل المشهد المؤلم،

أجابت بيأس:

– لم أسترح بعد، سيحدث عندما أترك هذا المنزل.

ذهبت باتجاه غرفتها باكية، بينما تابعها بنظرات، تنهد بعمق قبل أن يهمس:

– مجنونة.

ارتسمت على شفتيه ابتسامة، أردف قائلًا:

 – أجمل مجنونة.

 ‏ثم أردف:

– انتظري، لم أكمل حديثي بعد، كيف تذهبين قبل أن ننهي نقاشنا؟!

ذهب باتجاه غرفتهما لينهِي النقاش، وينهِي الخلاف حتى إشعار آخر.

تمت المراجعة والتنسيق من قبل

فريق مجموعة ريمونارف الأدبية

زر الذهاب إلى الأعلى