مقالات متنوعة

مِن وحي يوميات العقاد

وقت النشر : 2023/09/06 02:23:57 AM

مِن وحي يوميات العقاد

مِن وحي يوميات العقاد ٣ (نجاح الشيطان) عباس محمود العقاد

بقلم/ شيماء عبد المقصود

لقد جاءَ الصيف هذا العام مقتحمًا صفو الأيام بعنفوانه دفعة واحدة محتدمًا وبلا مقدمات، تَحسبهُ من شدته و حدته أنَّهُ سحابةٌ سوداءُ لا تنقشع عن سماءِ هذه الأيام وكأنَّهُ بلا زوال.

وزد علىٰ ذلك افتقادنا بل والأنسب أن نقول “افتقارنا”، ويجوز أن نقول أيضًا تاهت عقولنا وعُميَ البصر واختلت البصيرة لأمورٍ ظاهرةٍ جليَّةٍ يسيرة في دعواها، لا تحتاج لفطنةٍ مِنَّا للتضامن والتزامن لمستجداتِ أحداثها في حينِ أنَّها تشرح نفسها دونَ إقصاءٍ ولا تزييف، وكأنَّها سؤالٌ بديهي وجوابه عندنا جميعًا.
لكن الفارق الأوحد أنَّ كُلًّا منَّا يجيب عليه بطريقته الخاصة..

ويحدث أن ننظر لتلك الأمور بمنتهىٰ السطحية، من باب _نفسي نفسي_ فحولناها من أزمةٍ اقتصادية يمر بها العالم أجمع إلىٰ أزمةٍ أخلاقية، بل وللأسف انفلتَ زمامها من بين أيدينا، فإذا كانَ هذا سبيلنا في أزمةٍ عابرة نفثتها الطبيعة بأمرِ ربِّها، وتلقينا سهام حرورها من كلِّ صوبٍ وحدب، ولم يسلم منها أيًّا كانَ علىٰ وجهِ هذه البسيطة؛ سواء إنسان أو حيوان أو نبات، فويلٌ لنا لو نطقَ لسانُ حالها وصرَّح أنَّهُ نفس من جهنم، وما جهنم نفسها بقادرةٍ علىٰ زوالِ حالها إلا بأمرِ ربِّها وما نطقت.. !!

كيف ولا..وقد رأيتُ بعينيي من يسبوا الحرَّ والصيفَ الذي لا يجوز سبهما تحت دعوىٰ الإرهاق والتعب، ومنهم من يسُبّهُ بشكلٍ فكاهي ليس سوىٰ أنَّهُ من مُحبِّي الشتاء.
فالحرُّ قدرٌ من أقدارِ الله تعالى، ولا يجوز أن نسخط علىٰ قدر الله تعالى، وكذلك إنَّ الصيفَ زمانٌ من الأزمنةِ التي خلقها الله تعالى؛ ولا يجوز سَبّه، فإنَّ سب الصيف سب لخالقه، فعَنْ أَبِي هريرة رضي اللَّهُ عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بِيدي الأمر أُقلِّبُ الليلَ والنهار” رواه البخاري ومسلم

نعمة البصيرة التي منحنا الله إيَّاها، لم تُخلق عبثًا ولوجودها حكمة بالغة، فهي ترىٰ أكثر مما تراه أو تلمحهُ عين الوجه التي شُقت من أجلِ حاسةِ البصر، بل وترى أيضًا مما وراء حقيقة الأحداث..وبإمكانها أيضًا أن تستشعر موضع الألم أو الفرح فيمن حولها، ولعلَّ الأزمة التي نمر بها الآن هي أنسب وقت لنستغل تلك النِّعمةِ الربانية بأن نسأل أنفسنا هل ما نحن عليه الأن خير أم شر؟؟ أم هي أحداث عابرة ستمر وتنقضي مع انقضاءِ الصيف وبعدها كما يقول المصريين مقولتهم الشهيرة التي نهون بها على بعضنا في الشدائد
“الدنيا هترجع وتبئا تمااام إن شاء الله ” ؟؟!!
بالطبع أتمنى أن يرجع الوضع كما كان وعلى ما يُرام، إلَّا أنَّ المشهد الذي نمر بهِ في تلك الأيام وعدم ثبات درجات الحرارة جعلتنا متقلبين مع تقلُّبِها بشكلٍ طردي، فإن ترتفع درجات الحرارة تتدنى أخلاقنا أو بالعكس…!!

لكن علىٰ الوجه الآخر هناك ستجد أنَّهُ مع ارتفاعِ مؤشر الحرارة من تترفع أخلاقه معها، ستكتشف صنوفًا من البشر، ربّما من منهم سيظهر لك بمظهر بسيط ومتواضع لكنه في الواقع داخله كنز ثمين لا يُقدر بثمن؛ قلَّ من يُقدره في ذاك الزمان..!!

تحضرني الآن الآية الكريمة التي قال فيها الله تعالى:”وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم ”
وعلى غرار تلك الآية الكريمة لا بد أن أبعث رسائل شكر وتقدير، أولهما لذاك السائق الذي ركبت معه في إحدى الأيام التي شهدت ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة؛والحق يُقال، أنَّهُ كلف نفسه بما لا يطيقه غيره في ذاك الوقت على نفسه ولا على مصلحته المادية، فلقد اكتشفت أنَّهُ على طول الطريقِ يقف لطلبة المدارس العائدين من دروسهم ليركبوا معه دون أيّ مقابل، ورفض رفضًا تامًا حينَ أصَرَّ أحد الطلبة أن يُعطيه إيَّاه.
وعلمنا منه أنه يفعل هذا المعروف لكل الطلاب من يومِ أن أُصيبَ ولده “بضربة شمس ” في يومٍ كهذا وبهذا اللفظ قال: “نذرت نذرًا ” أن أوصل كل طالب يقابلني على الطريق دون مقابل مادي .

ورسالة شكر أخرى حروفها تُكتب من ذهب، لأولئك الشباب الذين تبرعوا بالوقوف تحتَ وهجِ الشمس في تلك الأيام التي احتدمَ فيها الحر بغيرِ اكتِراثٍ لسوءِ عاقبةٍ ولا طلبٍ لشكر وتقدير من المجتمع. غير أنَّهم رأوا أنَّ في هذا ثواب عظيم يستحق التبرع من أجله، ولن أنسىٰ صورةً لبعضِ الأطفالِ التي كانت تقف خلفهم وهم يتسابقون ليبادر الأسبق منهم بجلب زجاجات المياه من الصناديق ويُعطي إيَّاها لأولئك الشباب ليوزعوها على السيارات المارة؛ صورة حيه استوقفتني لحظة، تخيلت فيها حوض الكوثر بالجنة الذي بشرنا به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنَّنا سنشرب من حوضهِ يوم القيامة فلا يظمأ أحد بعدها أبدًا، وإذ بي وكأنَّ تلك السيارات التي تمر واحدة تلو الأخرى، وكأنَّما نحن نمر على الحوض تمتد أيادينا لتأخذ من كيزانه ونشرب الشربة الهنيئة التي لا نظمأ بعدها أبدًا.

ورسالة أخرى فمهما كتبت عن صاحبها لن أستطيع أن أوفيه الحق كاملًا، فهو يستحق أن يأخذ فوق أجره عشرات الأجور في تلك الأيام شديدة الحرارة وهو واقف أمام “مقلى الزيت” يقلي أمام درجة حرارة تتعدى المائتي درجة، وفوق رأسه شمس حارقة وصلت لأربعين درجة في بعض الأيام، ورغم كل ذلك كلَّما رأيتهُ لا أسمع منه إلَّا دعاء ” لا إله إلا الله، اللهم أجرني من حر جهنم”
فهل يستوي عند الله هؤلاء بأولئك..؟؟!!

وتحت سماء صيف٢٠٢٣ميلاديًا كان لا بد أن أُسلِط الضوء على أزمةِ انقطاع الكهرباء في معظم محافظات مصر تزامنًا مع استمرارِ ارتفاع موجات الحرارة الشديدة، وذاك مما أثار الغضب بين الناس وذاعت بينهم المبالغات في ذاك الشأن الذي دفع مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن رأيهم وغضبهم وانتقادهم للحكومة المصرية واتهامهم إيَّاها بأنَّها غير قادرة على الإلمام بوضع الأزمة الحالي.
ومما أثار الجدل أكثر، حين صرحت الشركة القابضة للكهرباء بيانًا تنص إحدى فقراته أنَّهُ سوف يتم البدء في فصل الكهرباء بمدة زمنية عشر دقائق قبل رأس الساعة وعشر دقائق بعدها، ومن هنا وبالتحديد انهالت على” الفيسبوك” عبارات لا تليق ولا كان يجوز الإدلاء بالرأي عنها بهذه الأساليب والقذف المذعن بالعبارات الحادة والرسومات الكارتونية الساخرة على البيان وناقله.
وحَدِّث ولا حرج على فيديوهات “تيك توك ” انحطاط أخلاقي كأنَّنا كنا في انتظار خبر كهذا لنقتلع فروته من جذورها!!
سينقضي الصيف يومًا ما وستنفك الأزمة يومًا ما ولن يبقي غير أخلاقنا، ولكن إلى متى ستظل أخلاقنا هكذا على المحك من كل صغيرة وكبيرة تمر بنا ..؟؟!!

يقول العقاد:”جاءت القذيفة الذرية نجدة جهنمية”لكثير من الرءوس وكثير من الألسنة في أحاديث الجو على الخصوص، وهي أشبع الأحاديث والناس لا يتهافتون على شئ كما يتهافتون على سبب حاضر يفسرون به كل سر ويعللون به كل حادث، ويقوله المتكلم فيقبله منه السامع أو يسبقه إليه، ولهذا نجح الشيطان في جميع الأزمات.

زر الذهاب إلى الأعلى