هائمة في بحار خيالها، باحثة عن حقيقة الكون والحياة، تجوب بفكرها دنياها الواهية، وحيدة في عالم لا يعرف للنساء حقوقًا كثيرة، كانت الماركيزة كارلا نوبيلي فيتالسكي تعيش حياتها في أحد قصور روما في رحاب الماضي العريق والتاريخ والحضارة الرومانية، وبين قسوة الحياة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وعلى مشارف اندلاع الحرب العالمية الثانية، ولكونها سيدة قصر من سلالة نبيلة لم يكن ينقصها المال الذي سمح لها أن تقضي أغلب وقتها في التأمل، كما كانت تقول إنها تقوم بدراسة فلسفة الأديان.
كانت تقضي أوقاتًا كثيرة في التأمل والبحث، وهي تجوب أعالي الجبال في الجنوب والشمال، بعيدًا عن روما، حتى وصلت إلى مشارف مقاطعة تيتشينو في منطقةٍ تدعىِ مينديريزوتو، حيث كانت تقضي أوقاتًا طويلة على قمة جبل مونت جيناروزو، وهناك أخذت قرارًا عجيبًا على قمة هذا الجبل، أن تبني لنفسها كوخًا صغيرًا تمضي فيه أوقات تأملها وما تبقى لها من العمر.
فتقدمت بأغرب طلب إلى مسئولي المنطقة الذين ترددوا كثيرًا في إعطائها تصريحًا بالبناء وإيجار عشرة أمتار من قمة الجبل، ولكن في نهاية الأمر قاموا بإبرام عقد إيجار مدته في البداية خمسون عامًا ثم تراجعوا فجعلوه خمسة وعشرين عامًا، شريطة أن تستخدم الحجارة والأخشاب التي تحتاجها في البناء من نفس قمة الجبل والغابات المحيطة به.
هنا بدأت الماركيزة في بناء بيتها على أعلى قمة الجبل، مع دهشة السكان الذين بدأوا يتهكمون حتى أطلقوا على الكوخ لقبًا استمر على مدار السنين حتى يومنا الحاضر، فقد أطلقوا عليه بيت المجنونة.
فهل كانت الماركيزة حقًّا مجنونة؟! أم كانت في رحلة تأمل في نهاية حياتها، أم كانت جاسوسة كما تقول إحدى الروايات، حيث إنك من بيت المجنونة تستطيع أن ترى بوضوح، عن طريق المنظار، كل المدن المحيطة، وحتى يومنا هذا، فهل كانت حقًّا…؟!لا أحد يعرف.
