أخبار مصر

الانفلات السعري

وقت النشر : 2024/02/04 12:15:12 AM

الانفلات السعري

كتبت: د/ سلوى محمد علي

واظبت منذ سنوات تعبت من عدها على أن أقوم بنفسي بشراء ما ينقصني بل وربما أستزيد بعض الشيء كما علمتني أمي أطال الله في عمرها لمواجهة أي طارئ أو ظرف مرضي نتيجة لتكرار عثراتي المستمرة لضعف ولتهالك البنية العظمية عندي، وأحمد الله دائما من أنه دائمًا ما يكون بعد العسر يأتي اليسر، ويتجدد نشاطي من جديد، رويدًا رويدًا، تعودت على أن أقوم بكتابة كشف بالاحتياجات الشهرية، ونظرًا لملازمتي بيتي لمدة شهر رضوخًا لتعليمات طبيبي فقد أرسلت ابني ومساعدتي لتلبية المطلوب، وحين عادوا فوجئت بكم الانزعاج والغضب يصب منهما على حد سواء نتيجة الزحام الرهيب والوقت الطويل الذي أضاعوه في هذه المهمة.

بدأت بالاستفسار عن سبب التأخير، فأخذوا يشرحون لي كم الهلع الذي أصاب الناس وكم الجشع الذي فرضه المتجر الذي وضع سعر على السلعة ولكن لم يسعفه الوقت لأن تغيير الأسعار أصبح متقلبًا على مدار الساعة ولذلك تفاجئوا بسعر مغاير تمامًا عند محاسبة الكاشير.

في هذه الآونة من كل عام تحديدًا وقبل الشهر الكريم كنا نتسابق في تجهيز ما يسمى بكرتونة رمضان للطبطبة على الدائرة المحيطة بنا والمتعشمة في أن ننظر إليها بعين الإسلام والإيمان، وأن نعاونهم على استقبال رمضان سويًا برضا نفحات وكرامات الشهر الفضيل، شهر التلاحم والتكافل والرحمة والعتق، ولا حل لذلك ولا نجاة لتلك الفئات المكبلة بالغلاء إلا بالتكاتف والتكافل الإنساني بين بعضنا لبعض.

والآن، بعد الزيادات المرعبة تتسارع البيوت الآن على تخزين أكبر قدر ممكن من السلع الغذائية لمواجهة شبح الغلاء الرهيب الذي طال كل شيء ولا يتحمله الدخل الممكن للعيش الكريم، والأهم فهو محاولة للتمسك بإتمام صفقة كرتونة رمضان وإيصالها لمستحقيها بأمان.

“من غشنا فليس منا”، وكذلك من يغير الأسعار لسلعة تامة الصنع ومعروضة للبيع ويجاهر بل ويتعمد بتغيير سعرها كل يوم أو على مدار اليوم فهذه تعد حالة غش تجاري لا محالة، ووجب على من يفعل ذلك تطبيق مخالفة الغش التجاري عليه، فهذا يزيد العبء على المواطن المستهلك الذي بالكاد يسد احتياجات أسرته الأساسية، ولا أجد مبرر من ذلك سوى تكبيدنا مشقة تدبير احتياجاتنا وتعريضنا لمذلة الحرمان بسبب ضعف الموارد وبالتالي زيادة أرباح ومغانم التجار على أنقاض ما يطلق عليهم رمانة الميزان فاختل التوازن واختلفت الموازين والمعايير.

إن الانفلات السعري نابع لا محالة من الانفلات الأخلاقي، فنحن الآن لا نتحكم في سعر أي سلعة سوى سعر العيش والسكر وتختفي وتظهر هاتان السلعتان وفق معطيات متعددة، أما باقي السلع والخدمات والأدوية وغيرها فهي متروكة لتحكم وتغول وهوى من يقومون عليها بحجة أننا في سوق حر واقتصاد رأسمالي يعتمد على الربح و لا ينظر لأي اعتبارات أخرى إنسانية كانت أو اجتماعية.

والحل في زيادة المصانع الإنتاجية التي تنتج السلع والأدوية التي يحتاجها المواطن، وهنا لابد أن تزيد القوى التنافسية في الجودة والسعر حتى لا نكون حكرًا مباشرًا أو فريسة مباحة يتلذذ صائدوها بتعذيبها، والسيطرة من جديد على من يتحكمون الآن في معادلة تقلب وتكدير المزاج الشعبي، لذا فلابد من قبضة حديدية لتحجيم هذا الانفلات قبل فوات الأوان .

زر الذهاب إلى الأعلى