أخبار مصرمقالات متنوعة

غزة.. الوطن الجريح وأحلام لم تكتمل

وقت النشر : 2024/02/07 04:24:49 PM

غزة.. الوطن الجريح وأحلام لم تكتمل

بقلم: يمنى أحمد

هل شارفنا على اليوم المائة واثنين وعشرين من الحرب على غزة؟
عدد ساعات لا نهائي من الدمار، من الفقدِ والوجع وصوت آهاتٍ رتيب
وآمال وأحلام تنفجر مع كل صاروخ، لطالما تمنيتُ بيتًا دافئًا أسكنه ويسكنني، حيطانه لونها هادئ، قطع أثاث بسيطة جدًا تزينه دون زيادةٍ وبهرجة، وتكون هي الأخرى رقيقة هادئة، ومطبخًا أُحب وقفتي فيه طول اليوم، أعلق صورنا على حائطٍ فارغ وبالتدريج ومع مرورُ الأيام يمتلئ ذلك الحائط بالذِكريات والحكايا.

تمنيتُ باباً مقفولًا عليَّ لا يدخله إلا من أحبهم، ولا أخرجُ منه إلا لأماكن بعينها ولقضاءِ احتياجاتٍ أُحبها، تمنيت تجمع العائلة في المناسبات، والضجيج الحلو الذي ينبعُ من لمتهم!

تمنيتُ رجلًا أحب النظر اليه، وأرتاحُ حين أحاكيه، وأطمئن بهِ ومعه، رجلاً أنتظرُ دخوله من البيت، لأنَّ معنى البيت لا يكتملُ إلا بوجوده.

تمنيتُ أطفالًا، أطفالًا يكبرونَ أمام عيني أنا وأبيهم، أهتم بتربيتهم بكل تفاصيلها، وأحبهم قدر عيوني، وأحفظهم وأجهزهم لمواجهة الدنيا، وأنتظرُ كبرهم لأستندَ عليهم، وحينما يتملكني اليأس أنا وقلبي أتذكرهم فتقوى قدماي ويقوى صُمودي في الحياة.

تخيلت طعامًا خفيفًا لذيذًا أعده كل يوم بحب، لنجتمعَ أنا وعائلتي الصغيرة، يملئونَ بطونهم بما تفننت في إعداده لهم، وتمتلئ ألسنتهم بالحمدِ على رزقِ الله لنا اليوم.

تمنيتُ وطنًا أشعرُ بين حدودهِ بالأمان، وملجأ حصينًا إن مسني أذًى ألجأُ إلى من يأتِي لي بحقي، وبداخلي اطمئنانٍ تام من فكرة أن يهجم على بيتي أحد، أو يخلعُ مني أحدهم خاتمًا في يدي، أو عقد ثمين أزيّن به رقبتي، أو يأخذ بضع ورقاتٍ من المال في جيبي.

تمنيتُ الكثير.. ولم أتمنَّى أن يتهدم البيت، وأن يصل إليَّ أحبائي جُثثًا، أو يُنتهك عِرض بنات موطني، أو لا يبقى من بين أفراد عائلتي سوى أشلاء فارغة لأن أعضائهم نُهبت، ولم يكتفِ السارق بروحهم الغالية فقطّعهم.
لم أتمنَّى أن يكون احتضان أبنائي مجرد مرة أخيرة قبل وضعهم في التراب، ولم أتمنّى فقد الاتصال بعائلتي وأحبابي، أو الموت من شدة الجوع!
لم أتمنَّى أن أنامَ خائفة، وأتساءل على من يكون الدور القادم، وأخافُ من رنةِ الهاتف، والمفرقعات النارية التي في أصلها لَعِب.
لم أتمنّى أن يحلم أطفالي بتذوق قطعة سُكر، وبقطعة من الخبز، وشربة ماء ولا يجدوا، لم أتمنى أن أرفع صوتي للعالم وأقول لهم أنقذونا فنحنُ أمةً واحدة، في الوقتِ الذي كان عليَّ رفعَ صوتي وأقول للعدو بأن انظر إلى أخوتنا العرب، كُلهم معنا ولن يتركونا.
ولم أتخيل يومًا أنه وعلى مرِّ أجيال عديدة ستبقى الذكرى الوحيدة والقطعة الحيّة من بيتنا، عُقدة مفاتيح، مُفتاح من أكبرِ جَد، الى أصغر حَفيد.

زر الذهاب إلى الأعلى