أخبار مصر

اعقلها ولا تعزلها وتوكل 

وقت النشر : 2024/03/15 04:44:42 PM

اعقلها ولا تعزلها وتوكل 

كتبت: د/ سلوى محمد علي 

قرأت كثيرًا عن فن المسافات وعن أهميتها في حياتنا؛ فعندما تصنع الحدود والمسافة في أي علاقة تمتد وتتعمق وتزيد، عندما نعطي بعضنا البعض مسافة للتنفس أو للمراجعة أو للاحتياج فيشجع كل ذلك على الاستمرار لا محالة.

عشنا بالأمس القريب العلاقات ذات الروابط القوية عندما كانت البيوت قريبة والنوافذ صريحة، أما الآن فقد أصبحت البيوت بعيدة وأغلقت النوافذ بالساتر والستائر ذات الطبقات المتدرجة لتصنع جدار عازل من جديد، وللأسف تم استغلال مصطلح المسافات بطريقة وحشية ليصبح عازل للعلاقات ومفرق للجماعات ومخرب للإنسانيات التي طالما دربنا قلوبنا عليها.

أين ذهب التلاحم والرفق والدفء؟! ذهبوا جميعًا مع زمن جميل كانت القلوب فيه جميلة شفافة قارئة لاحتياج الآخر بلا كلمات.

كنا بالأمس القريب نتقابل ونتعانق كما لو كنا عشاق من أهل وأصحاب نتجمع ونتسامر ونضحك وأحيانا كثيرة نبكي، نبكي الحنين وتذكر الأحباب ولوعة الذكريات، لكن دائما تجد من يحتويك ويشعر بوجعك، ثم نترك أمسياتنا لنرى نور الصباح ويذهب كل منا إلى الحياة الصاخبة المليئة بالأنات والآهات والأوجاع، ونلهث وراء لقمة العيش حتى نأتي إلى بيوتنا المليئة بالمودة والاحتضان وإلى عشيرتنا وأهلنا لنذوب معهم وفيهم، ونفرغ جميعا ما بداخلنا لنرتاح ونسعد بأن همومنا يشعر بها الآخرون، وتدوم بنا الحياة بحلوها ومرها لأن هناك قلوب تعي أهمية وجودها لمسح آثار السنين وحثك وإعطاءك وبث القدرة على التحمل والتزود بجرعات الصبر واليقين وحسن الظن وسلامة القلب.

أصبحنا نبحث عن الأعذار والأسباب لكي ننعزل، لكي نعتزل الإخوة ونعتزل الصداقة ونعتزل الجيرة تنفيذًا لمعتقدات شريرة رسخت يومًا بعد يوم أن في الاعتزال كرامة واستقلال، وغضت البصر عن فضيلة التكامل والتراحم والتلاحم والانسانية التي ميزنا بها الله على سائر المخلوقات.

 وجب أن نفيق وأن نسترجع إنسانيتنا التي سلبت بالتشبه بأفكار ومعتقدات الغرب التي مسخت حياتنا وشوهتها، ونوقف خراب الاعتزال ، ونرجع إلى روابطنا وهويتنا وشرقيتنا المختلفة عن كل شعوب الكون.

زر الذهاب إلى الأعلى