أدبي

سوق الأقدار

وقت النشر : 2021/12/08 05:40:43 PM

سوق الأقدار
بقلم: حميدة ساهلي

– ما الذي أودى بك إلى الرواق الأخير من غابة العدالة؟
= لقد سوَّلت لي نفسي أن أبيع بعضا من سنين عمري بثمن زهيد.
– وجهتُ سؤالي لتلك العجوز هناك، ولكن بما أنك بدأت أولا٬ فلا بأس٬ يمكنك أن تتم حديثك.

= أنا رجل في الأربعين من العمر٬ تقاذفتني رياح الضياع كيفما شاءت في شوارع التيه، حتى ظننت أني هالك٬ وفجأة، انتشت روحي بعبق زهرة برية تنبت بين الصخور.
جلست ثاني الركبتين أستمتع بجمالها٬ اقتربت منها لأشتم رائحتها٬ وما أن لمستها حتى وخزتني أشواكها، فأدمت أناملي٬ قلت في نفسي لا بأس٬ كل الورد تطوقه الأشواك.
مكثت قبالتها وقتا كان كافيا لنسج خيوط الألفة بيننا٬ ثم قطعت لها وعدا أن أهتم بها، وأرويها كلما تهادى إليها الظمأ٬ أغرس بعض الشجيرات لتحميها من الرياح والعواصف٬ وأزرع زهورا متنوعة، وأنقذها من الوحدة والغربة.
تمايلت يمينا وشمالا؛ تنثر عطرها هنا وهناك٬ استبشرت بحركاتها اللطيفة٬ وبدأت أتردد على المكان يوما بعد يوم، والزهرة تنمو شيئا فشيئا وتزداد توهجا.
وفي أحد الأيام وعند زيارتي لها، رأيتها وقد أسدلت بتلاتها في أسى بادٍ على ملامحها.
ماذا حدث لها يا تُرى؟ أهو الشوق لرؤيتي ما جعلها حزينة؟

اقتربت منها وبيدي دلو الماء٬ وبدأت أغسل بتلاتها وأرش على سيقانها قطرات الماء٬ ولكنها تجاهلت وجودي٬ ولم تعرني انتباها٬ تراجعت للوراء ثم غادرت حزينا، ولم ألبث يوما إلا وعدت لزيارتها٬ وعلى مشارف الهضبة سمعت زقزقة عصفور ينشد لحنا جميلا عذبا.
اتبعت صدى الزقزقة، وإذا بعندليب شادٍ تتمايل لشدوه زهرتي الجميلة٬ لم أتريث في الظهور أمامهما٬ اقتربت خطوة وإذ بالعصفور يفرد جناحيه على زهرتي٬ تسمرت في مكاني حين رأيتها تنحني تحت جناحه، وكأنها تحتمي به مني٬ لم أنبس ببنت شفة، وعدت أدراجي عائدا من حيث أتيت٬ حاملا بين ثنايا قلبي طعنة غدر غائرة.
عدت إليها من جديد وبيدي منجل من فضة٬ يليق بيومها الأخير، قطفتها وأحرقت المكان؛ هي من صنع يدي، ولا يحق لأحد أن يأخذها مني غير الخريف٬ وها أنا أحاكم بتهمة القطف المتعمد.
نلتقي في قدر آخر..
في سوق الأقدار..

ذات صلة

سوق الأقدار.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى