أدبي

إلى صاحب الظل الطويل

وقت النشر : 2021/12/08 05:49:22 PM

إلى صاحب الظل الطويل
بقلم: أسماء سعيد

عزيزي صاحب الظل الطويل..
لقد حلَّ الشتاء من جديد، وهناك من لا مأوى له يقيه البرد والمطر، أو لا ملبس له يدفئه من الصقيع، وكثير لا يجد طعاما يدفئ معدته.
لقد حل الشتاء من جديد، وهناك من يضنيه الثلج في المخيمات الباردة، ومن لا يجد حذاء يحفظ قدميه من زمهرير الطريق ولا منغصاتها.

عزيزي صاحب الظل الطويل..
لقد حل الشتاء والمطر، وهناك من تجرف بيوتهم السيول وليس لهم معين سوى الله يرحمهم.
يا عزيزي..
إنني أحب الشتاء ومطره وهواءه البارد، لكنني لا أحب قسوة أيامه، ولا طول لياليه على الفقراء والمساكين.

عزيزي صاحب الظل الطويل..
لقد حل الشتاء من جديد، وإني لآسى لحال بعض الفئات فيه، كالباعة الجائلين الذين يمكثون على الرصيف من الصباح الباكر إلى بعد حلول الظلام بساعتين على الأقل، البرد يغريهم بالبقاء في فراشهم، ولكن شظف العيش يوقظهم باكرًا ليمارسوا عمل كل يوم؛ من ترتيب بضاعتهم والجلوس بانتظار رزقهم.
المؤلم يا عزيزي، أنهم يرتجفون بردًا، ورغم ذلك تجد من لا يرأف لحالهم، بل يعاملهم بخشونة، ويفاصل معهم أو يقلل من احترامهم، رغم أن نفس الشخص إذا ابتاع شيئًا من مكان راق سيتحرّج من فعل ذلك، وإن لم يعجبه السعر يغادر بكل احترام، لكن مع هذه الفئة تجدهم يطيلون في بخسهم أشياءهم وكأنه ينقصهم ذلك.

ذات صلة

عزيزي صاحب الظل الطويل..
إنني أتعجب لحالهم إن كانوا صغارًا؛ كيف يصمدون في مواجهة المتاعب اليومية التي يلقونها، وكيف يديرون المواقف؟
وأتعجب إن كانت امرأة يجلس بجوارها طفلها أو طفلتها واضعين يدهم تحت خدهم، تراهم يجلسون بأدب، وكأن عقلهم أعلمهم أن هنا لا مجال للعبث ولا لشقاوة الصغار. فمعظم الأطفال حركيون؛ ويذهبون هنا وهناك، وأطفالهم يجلسون بأماكنهم دون صوت أو افتعال مشكلة.

إن كان في أثناء الجو المعتدل يصعب جلوس أحدهم في الشارع لمدة طويلة، فكيف بحالهم في الشتاء القارص؟
إننا نتذمر إن انتظرنا في البنوك أو العيادات أو المصالح الحكومية لساعتين أو أكثر، بالرغم من أن المكان يكون لائقًا للمكوث فيه، فكيف بمن يمكثون لأربعة عشر ساعة أو أكثر على الأرصفة، وتكون المُحصِّلة في نهاية اليوم بضع جنيهات، لكنها تغنيهم عن سؤال الغير وتعريض أنفسهم للئام؟!

أريد أن أخبرك يا عزيزي، أنني آسى لحالهم جدا، وأتمنى لو أستطيع تحسين أحوالهم، وأحترم وأقدر لهم؛ خاصة الصغار منهم الاتجاه للعمل مهما كانت الصعوبات، والصبر على المتاعب بدلًا من الاتجاه للتسول، أو المكوث في البيت، ورثاء الحال دون محاولة تغييره…

إلى صاحب الظل الطويل.

زر الذهاب إلى الأعلى