مقالات متنوعة

رجب شلبي يكتب.. التنمية البشرية والنفسية في حياة رسول الإنسانية 

وقت النشر : 2022/06/18 01:05:59 PM

رجب شلبي يكتب.. التنمية البشرية والنفسية في حياة رسول الإنسانية 

يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل.” عندما تتأمل هذا الحديث تجد أن رسولنا الكريم لم يحدد حتى المقصود مسلمًا كان أم مؤمنًا، وكأنه خاطب في ذلك الوجدان، فلم يكن فظًا ولا غليظ القلب بل كان بالمؤمنين رؤوف رحيم، وكيف لا وقد حن له جذع النخلة؟! وهو النبات الذي ليس له مشاعر ولا أحاسيس، ولا جهازًا عصبيًا يقيم به الأمور أو يدركها، بل الأعظم من ذلك، رد فعل رسولنا الكريم وهو يقول للجذع: “ألا ترضى أن تكون رفيقي في الجنة؟”

التنمية البشرية في أبهى صورها
وتتجلى التنمية البشرية في أبهى صورها عندما كان يُصلّي بالناس جماعةً ويسمع بكاءَ طفلٍ، يسرع في الصلاة ويخفّف منها، وكان -عليه الصلاة والسلام- يحمل الصّغار وهو يُصلّي، فإذا سجد يضعهم على الأرض، وإذا قام حمَلهم، كما فعل مع حفيدته أُمامة بنت زينب – رضي الله عنها-، وكان يصبر على أذاهم، ويبكي لموتهم، وكان يوصي الناس بالخدَم الذين يعملون عندهم: إنَّ إخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ فأعِينُوهُمْ.”

رحمته بالمرضي
ومن رحمته بالنساء، كان – عليه الصلاة والسلام- أرأف الناس بأهله وأزواجه وبناته، فكان عندما تأتي إليه فاطمة – رضي الله عنها – يقبّلها ويُجلسها في مكانه، وكان إذا أرادت أمّ المؤمنين صفية – رضي الله عنها- أن تركب على البعير؛ يجلس فيرفع لها ركبته لتصعد عليها وتركب البعير، ومن صور التنمية البشرية والصحة النفسية رحمته بالمرضى؛ فكان يأمر بزيارتهم، والشفقة عليهم، والعناية بهم، وإدخال الفرح على قُلوبهم، كقول النبي – عليه الصلاة والسلام-: “مَن عادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ في خُرْفَةِ الجَنَّةِ.” قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، وما خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قالَ: جَناها.”

يستشير أصحابه
ومن صور التنمية البشرية أيضَا رحمته بجنوده وبالشُهداء فيُعامل جُنوده كنفسه، ولا يُعاتبهم أو يُعاقبهم على أخطائهم في الحرب؛ ومن ذلك رحمته بالصحابة -رضي الله عنهم- في غزوة أُحد، وعدم مُحاكمتهم لأخطائهم في مُخالفتهم لأوامره، أمّا رحمته بالشُّهداء فقد تمثّلت في دفنهم دون إرسالهم إلى أهلهم؛ حتى لا يتألّموا على رؤيتهم، وأيضًا رحمته بغير المسلمين كما رأيناه مع الأسرى، كان -صلى الله عليه وسلم- يأمر بفكّ الأسير، وبيّن أنّ الرحمة بالأسير وفكّ أسره من أسباب دُخول الجنة، وترجم ذلك عمليًّا في أسرى بدر عندما استشار الصحابة – رضي الله عنهم- في شأن الأسرى، فأخذ برأي أبي بكر – رضي الله عنه – وذلك بأخذ الفدية منهم وتركهم؛ لِما رأى في ذلك من الرحمة والرأفة، بل ومن مظاهر رحمته أثناء الحرب وضع النبيّ للمُسلمين مجموعةً من القواعد والضوابط في الجهاد التي لا يجوز لأحدٍ أن يتعدّاها؛ كالنهي عن التمثيل في جسد الأعداء، والنهي عن قتل النساء، والأطفال، وكبار السن، والمرضى.

تعديل السلوك
ومن تعديل السلوك والعودة إلى الله دون يأس أو قنوط رحمته بالعصاة المذنبين – وأنا منهم – أنه أتى رجل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: أرأيت من عمل الذنوب كلها، ولم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة “صغيرة أو كبيرة” إلا أتاها، فهل لذلك من توبة؟! ، قال: فهل أسلمت؟، قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك خيرات كلهن، قال : وغدراتي وفجراتي؟ قال: نعم، قال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى.”، أزعم أنني قرأت كتب كثيرة بحكم تخصصي في هذا المجال فوجدت أمرين أولاهما كل من تشدقوا بحقوق الإنسان والحيوان من الشرق والغرب كانوا أشد حيوانيةً ووحشيةً من الوحوش والحيوانات المفترسة، وثانيهما معظم المتحدثين في مجال التنمية البشرية والصحة النفسية اتخذوها لمكاسب مادية ولشهرة ذاتية، بل فاقد الشيء لا يعطيه، اذهبوا إلى بيوتهم ستجد أن ليس هناك مما يتشدق به في محاضراته، ولا لندواته علاقة بين ما يقولونه وما يعيشونه إلا من رحم ربي.
نعم التنمية البشرية والصحة النفسية في سيرة رسول البشرية، فهي صافية نقية أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كلما أردت منها الاستزادة والتعايش مع الإنسان والحيوان والنبات بل والجماد.
ادرسوا حياة الرسول وسيرتها، فإنه ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فليست أفكار تطرح وعقول تسرح، إنما هي التنمية البشرية التي طبقت في بيت النبوة، فهنيئًا لمن تتبعها فهدأت نفسه واستقرت روحه وانجلى قلبه، ولم يذهب لعيادة نفسية ولا لجلسات روحية، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

زر الذهاب إلى الأعلى