مقالات متنوعة

لماذا نكتب؟

وقت النشر : 2022/08/26 12:10:17 AM

لماذا نكتب؟

بقلم: مصطفى نصر

إنَّ إجادة الكتابة تنسجم مع إحدى الرغبات الأساسية في الانسان، وتحقق له إشباعاً ليس له نظير وبصورة لا تضاهيها أي صورة أخرى من صور الإشباع الذاتي، لذلك فإننا نكتب ونطور من المهارات والاستراتيجيات والأساليب والقواعد الإملائية والصرفية والنحوية التي تساعدنا على إجادة فن الكتابة والتعبير عن الذات، لنقل أفكارنا للعالم من حولنا بصورة مرتبة ومتسقة مع أهدافنا ومرامينا، لنبذر بذرة تفيد في مسيرة تطور العالم من حولنا، حتى نخلد أسماءنا في سجل أصحاب الآراء التي أفادت البشرية.

فمنذ قديم الأزل كانت للإنسان حاجة عميقة لتخليد اسمه بعد موته، وكان يقوم بتلبيتها بعدة طرق؛ فقد كان ملوك وفراعنة مملكة كوش النوبية وقدماء المصريين يقومون ببناء الأهرامات لدفنهم بغرض تخليد اسمهم بعد مماتهم، ولعظمة دور الكاتب وجد تمثال الكاتب الجالس أو الكاتب القرفصاء، وهو عمل مشهور للفن المصري القديم، فهو يُمثل شخصية كاتب جالس في العمل، واكتشف التمثال في سقارة، شمال زقاق أبي الهول المؤدي إلى سرابيوم سقارة، في عام 1850.

ومع هذه المباني الشاهقة التي هم متأكدون من بقائها لآجال متطاولة، كانت الكتابة أيضًا في هذه الأهرامات والمعابد، من الوسائل التي استخدمها الإنسان أيضاً لكي ينقل تجاربه للآخرين، حيث نقشوا في هذه الآثار منجزاتهم وبطولاتهم ومآثرهم عبر خط الكتابة الهيروغليفي لدى قدماء المصريين، والكتابة الكوشية لدى الفراعنة السود النوبيين، والكتابة المسمارية لدى قدامى اليمنيين، وغيرها في بقية الحضارات القديمة.

وقد سبقهم إلى ذلك إنسان الكهوف الأول في العصر الحجري، حيث قام ذلك الإنسان منذ أقدم العصور وقبل أن تظهر أنماط حروف الكتابة، برسم الحيوانات التي اصطادها، وقصص المعارك التي خاضها، والانتصارات التي سجلها، وكل ذلك ما هو إلا لون من ألوان الكتابة التي ينقل بها الإنسان قصته وتجاربه للأجيال القادمة.

الكتابة تلبي حاجة متأصلة في الإنسان من خلال أن ينقل قصته وأفكاره للأجيال القادمة ليحفر اسمه في ذاكرة الزمان ويضع بذلك بصمته في كتاب التاريخ الإنساني، والمثقفون ليسوا استثناء، فمن خلال كتاباتهم هم ينقلون أفكارهم وتجاربهم للمواطن البسيط، يبصرونه بحقوقه وواجباته في المجتمع الذي يعيش فيه، فهذه والله واحدة من أهم الأدوار التي يجب أن يقوم بها المثقف تجاه أهله وعشيرته في الوطن.

فقد وضع كثير من الكتاب في تعريف المثقف شرط الإيجابية، فالمثقف لا يعد مثقفا إلا إذا كانت له بصمته في التفاعل مع قضايا مجتمعه، فالمتعلم الذي يتقوقع حول ذاته ويجلس في قصر من زجاج ولا يسهم في قضايا وطنه لا يعد مثقفاً مطلقاً لغيابه عن قضايا مجتمعه، ويتعاظم هذا الدور مع فئة القانونيين والمعلمين، فهؤلاء بالذات يجب أن يكونوا صناعاً للرأي العام، ويبرز هنا أكثر دور القانونيين في تعريف الناس بحقوقهم وواجباتهم، والدفاع عن الفئات الفقيرة دون مقابل حتى لا يكون فقرهم سبباً في ضياع حقوقهم القانونية.

وكخلاصة للموضوع، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الكتابة تعين على الفهم العميق للموضوع الذي تتناوله، كما أنها تقوي ملكة التحليل والنقد بصورة منطقية، وبذلك تتفتح خلايا العقل وتنمو خلاياه النائمة، وتساعد في تحسين المزاج واعتداله. فليست الكتابة مجرد ترف ذهني، وسبيل من سبل الشهرة وحسب، بل إنها تعكس دور المثقف في تبصير المجتمع بحقوقهم وواجباتهم، وحتى الكتابات الأدبية فهي ليست مجرد ترف ذهني واستعراض للمهارات وقدرات الكتابة، فالأدب نفسه له دور مرتبط بوظيفته الفنية في المجتمع، وهي تلك الفوائد المرتبطة بدور فكري يبث من خلاله تجاربه المميزة في الحياة ليقدمها للقارئ في شكل ذخيرة من الخبرات تلهمه حسن التصرف عندما يمر بمواقف مماثلة لما مر به الكتاب والشعراء.

زر الذهاب إلى الأعلى