مقالات متنوعة

أزمة الصيادلة

طبيب الأسرة

وقت النشر : 2022/10/24 09:13:19 PM

أزمة الصيادلة

بقلمي: صيدلي/محمد السيد الاسكندراني

مقالنا اليوم موجه لكل من يهمه أمر منظومة الصحة في مصرنا الحبيبة؛ من مرضى، وأطباء، وصيادلة، وقائمين على أمر الصحة من إدارة ومُشَرِّع لتلك المنظومة الهامة والضرورية في حياتنا جميعًا. بما فيها الشأن والعمل الصيدلي؛ أحد أعمدة المنظومة الطبية في مصر.

بدايةً، لك أن تتخيل عزيزي القارئ، أن الشأن الصيدلي في مصر تنظمه قوانين تعود إلى خمسينيات القرن الماضي؛ بما لا يتلاءم ولا يتوافق مع المتغيرات الطبية والاجتماعية والاقتصادية الناشئة والطارئة على الصعيدين الدولي والمحلي. مما يدفعنا إلى مناشدة وإرسال صرخة للقائمين على الأمر الإداري والتشريعي؛ لإصدار قوانين وقرارات بما يتوافق ويتماشى مع الوضع الراهن.

لا يغيب عنا في تلك اللحظة الراهنة؛ ما تمر به المنظومة الصحية والطبية، من تأخر وركود وتدني، على المستوى الفني الطبي والإداري والمهني والاقتصادي، وجوانب أخرى كثيرة.

المضادات الحيوية

والأزمة الأخيرة الحادثة في الأسبوعين الماضيين – والمتكررة قبل وستتكرر بعد – من وفاة ابنتينا وهما زهرتان في ربيعي عمرهما. تلك الحادثة التي هزت قلب كل أب وأم وكل مواطن في القطر كله من أقصاه إلى أقصاه، إثر أخذهما حقنة أحد المضادات الحيوية، تسببت لهما في أزمة تحسسية “anaphylaxis shock”، أودت بحياتهما البريئة. نسأل الله لهما الرحمة ولأبويهما الصبر والسلوان.

وتلك الواقعة؛ تُنظر الآن أمام النيابة العامة الموقرة. ولقضائنا الشامخ الفصل فيها بما يرتئيه ويرتضيه ضميره القانوني والقضائي العادل.
ولذلك نحن في حل من مناقشة تلك القضية أو الإدلاء بالرأي الشخصي في تفاصيلها. ولنترك القضاء لقول الكلمة الأولى والأخيرة والعادلة بهذا الصدد.

لكننا نستطيع أن نأخذ من تلك المأساة وهذه المحنة؛ مِنَح وبنات أفكار؛ علَّهَا تدفع في جانب الارتقاء بالشأن الطبي والصيدلي.

طبيب الأسرة:

لا يمكن إنكار جانب مهم وهو أن الصيدلي المصري المتواجد بصيدليته لخدمة أهل بلده ووطنه العزيز، هو خط الدفاع الأول في المنظومة الصحية. والذي يلجأ إليه المريض، مستمداً منه النصيحة العلاجية والمشورة الطبية الدوائية. ونستطيع أن نقول أن الصيدلي بات يلعب دوراً في مجتمعاتنا، مايعرف ب – طبيب الأسرة– أو الممارس العام، “.G.P ” والذي يمارس تشخيص بعض الأمراض البسيطة والسهلة والمشهورة المتعارف عليها ب ال”OTC” أو Over The Counter
أو ,Medicine Non Prescription , والتي لا تحتاج إلى مهارة تشخيصية معينة أو قدرات طبية دقيقة ومعقدة. وهذا واقعاً تتضمنه مناهج ومقررات كليات الصيدلة في مصر.
مع العلم أنه باستقراء واستبيان آراء السادة الصيادلة، يتبين أنهم يريدون القيام بعملهم في صيدلياتهم الأهلية في تجارة الدواء مع تقديم خدمة طبية خفيفة؛ مثل توضيح كيفية استخدام الدواء الموصوف بروشتة طبية، وبيان جرعاته وكيفية استخدامه فقط، دون تحمل عبء تعلم أو تحمل مسؤولية أي خطأ طبي يحدث، مرحبين بوضعهم الأدبي والمادي الكافي واللائق وسط أبناء مجتمعهم، لكنهم يقعون بين رحى ضغطين ثقيلين:
الأول: ضغط مريد الخدمة الطبية المهرول واللاجئ إليهم لعلاجه وإسعافه بأقل وأرخص التكاليف، مما يضعهم تحت ضغط نفسي ومسؤولية أدبية تجاه أبناء مجتمعهم، والذين لهم كل الحقوق على الصيادلة.
الثاني: ضغط أنهم بالفعل قاموا بدراسة مواد ومناهج عن الصيدلة المجتمعية، وال otc، وال non-prescription medicine ، وover the counter.
وتلك المناهج قام بإعدادها ووضعها قامات وجهابذة العمل الصيدلي والدوائي الأكاديمي بمصر، مما يستحيل معه عقلًا وعلمًا وقانونًا عدم ممارسة عمل الصيدلي المجتمعي بدوره الدارس له والمنوط به.
والقانون إزاء هذا العمل والدور الصيدلي المتحقق يقف متفرجا لا مصرحًا ولا مجرمًا ما يحدث. وإزاء هذا المشهد الدرامي بامتياز ينتاب القانون شعورين:
أحدهما فرحًا بالدور المتحقق من تقديم الخدمة الطبية لمريدها ورفع الضغط عن باقي فريق الخدمة الطبية والأنظمة الصحية التي لا تستطيع تحمل كل هذا العبء وحدها.
وثانيها؛ شعور المترقب والمتربص لأي خطأ صادر من أي صيدلي ولو كان غير مقصود لإنزال أقصى عقوبة عليه.

وهنا الصيدلي بقيامه بهذا الدور ينتج منه عدة مزايا وفوائد وإيجابيات نذكر منها:
_ سهولة وصول المريض لمكان أداء الخدمة الطبية؛ مما يوفر عليه تعب بدني، ومشقة تنقل ومواصلات.
_ توفير المال اللازم صرفه للكشف عند الطبيب والذي وصلت أسعاره إلى أرقام فلكية الآن. لا يستطيع الفقير غير القادر في نجوع وقرى بلادنا الحبيبة، تحملها وتكلف أعبائها.
_ تقليل الضغط على السادة الأطباء في مستشفياتهم الجامعية والخاصة وعياداتهم الأهلية، وتفرغهم لما هو أصعب وأدق وأخطر.

ولكن؛ ماذا يحدث؟ ما الذي يعكر صفو تلك الايجابات والمزايا؟.
وبين الحين والآخر تخرج علينا أخبار قاتمة الحزن وبالغة السوء، عن مقتل طفل أو طفلة من أبنائنا إثر إعطاء حقنة خطأ أو تشخيص جانبه الصواب، مما أودى بحياتهم الثمينة والغالية.

خدمة طبية صحيحة

الذي يحدث أن الصيدلي في صيدليته، وفي مكان عمله يجتهد اجتهاد شخصي من كيس نفسه، لتحصيل أكبر قدر ممكن من معلومات طبية ودوائية، يكون بها ملماً وقادراً لصد وتغطية متطلبات المريض المهرول واللاجئ إليه، لأداء خدمة طبية صحيحة ومتميزة ورخيصة أيضاً.

وخلال ما يحدث يحصل أمران يفسدان هذا الدور؛ ويعود بضرره على الصيدلي والمتلقي للخدمة، ألا وهما:
_ عدَم انتظام الصيدلي في تطوير وتحصيل معلومات طبية، وعدم المراجعة عليها بانتظام، وليس عليه رقيب في ذلك إلا الله ثم ضميره المهني والاخلاقي.
_ عدم وجود قانون وتشريع يباشر ويراقب المستوى الطبي والدوائي للصيدلي على فترات مستمرة ومنتظمة.
لذلك نقول؛ بما أنه هناك عجز في أعداد الأطباء في المستشفيات العامة والحكومية، وهذا ما أسفرت عنه الإحصائيات الرسمية المعلنة. وقد كانت هناك دعوات لفتح باب القبول في كليات الطب أمام باقي أعضاء المهن الطبية الموقرة لسد العجز في هذا الشأن. فلمَ لا نقوم بمناقشة وسن قانون للارتقاء بالمستوى الطبي والدوائي للصيدلي المصري لأداء دوره، وأيضاً مراقبة هذا الدور ومحاسبته عليه من خلال القانون.
وذلك بعد اجتيازه لدورات ودبلومات مقررة ورسمية، تحت عين ورقابة المنظومة الصحية. وبعد تقييمه عدة تقييمات مستمرة ومنتظمة. والنص في القانون بأنه قائم بدور طبيب الأسرة أو الطبيب المجتمعي، أو الممارس العام له ما له من حقوق، وعليه الواجبات التي ينص عليها القانون. ويتم تمييز الصيدليات التي تملك تلك الكوادر من الصيادلة المتمرسين والعاملين والمعتمدين ذوي الخبرة والمجازين للقيام بهذا الدور من وزارة الصحة وهيئة الدواء المصرية عن غيرها من الصيدليات التي تعمل بتجارة الدواء فقط.

وبذلك، كما يقولون، نضرب أكثر من عصفور بحجرٍ واحد. حيث نساعد ونُسَاهِم في سد العجز المتاح من السادة الأطباء ولو بنسبة معينة. أيضاً يعتبر تقديم خدمة طبية مميزة وراقية مُرَاقَبَة من الجهات الرسمية باستمرار وانتظام للمواطن البسيط. وكذلك رفع العبء عن كاهل الأطباء والمستشفيات بما لا يكفي لاستيعاب الأعداد الضخمة من مريدي الخدمة الطبية.

الأزمة الثانية:

أيضاً، الشيء بالشيء يُذكر، من الأزمات التي يمر بها السادة الصيادلة هو “أزمة التكليف” المتكررة سنوياً. ما بين تسريبات وتلميحات بصدور قرارات بإلغائه، ومناشدات من جانب الخريجين ودعوات بعدم إلغائه. شد وجذب ما بين أصحاب المصلحة في هذا الشأن.
ولا يخفى على الجميع ما يمر به العالم من ضائقة اقتصادية عالمية نسمع ونرى صداها وأثرها وبوضوح في مصر، مما يصعب معه الاستمرار في توفير فرص عمل، تثقل كاهل الحكومة وتعطلها عن القيام بدورها تجاه من يستحق فعلاً من أبناء مصر الفقراء والكادحين، وتكون في صورة “بطالة مقنعة” صيادلة كُثْر وأعداد هائلة، ومكدسة في مكاتب وصيدليات وزارة الصحة، وَهُمْ عبء في أماكنهم، إن لم يعطلوا العمل أصلاً.
لذلك يقترح البعض تقنين عمل “سلاسل الصيدليات”، وهي منتشرة الآن في كل ربوع الوطن. سواء بشكل صريح وعلني، أو خفي وضمني. وسواء بتحايل على القانون المانع من إنشائها وعملها أصلاً، أو بسداد فواتير المخالفات التي ينص عليها القانون ووجهها تجاه تلك السلاسل والهيئات والشركات.

فلمَ لا يتم تقنين عملها مقابل عقود صريحة تصب في مصلحة المستثمر أو المالك لتلك الهيئات أو المُنشآت، أو الشركات التي تقوم بإدارة تلك السلسلة من الصيدليات. وأيضاً تصب في مصلحة الصيدلي الحر الباحث عن فرصة عمل حقيقية تضمن له مرتب كريم ثابت بعقد موثَّق تشرف عليه الدولة وتراقبه الجهات الرقابية والتشريعية يضمن من خلاله حقوقه المالية والوظيفية كاملة. وكذلك أيضاً يصب في مصلحة الحكومة بذلك الكيان الموازي للتكليف، ويرفع عن كاهلها مسؤولية وإلزامية توفير فرص عمل للصيادلة والخريجين الجدد من الكليات الطبية، والتي تكون بأعداد ضخمة وهائلة سنوياً، ويبحثون عن تكليفهم وعملهم الحكومي.

هذا ويطول الكلام ويكثر الحديث في الشأن الطبي والدوائي في مصر. وتلك كانت بنات أفكار ورؤوس أقلام ووسائل وأسباب نضعُها تحت أعين وأيدي السادة المسؤلين على الصعيدين الإداري والتشريعي. علَّهَا تُسْهِم في الارتقاء بالخدمة الطبية والصحية والدوائية، بما يليق بمصرنا الحبيبة وشعبها الأصيل.

دمتم أصحاء طيبين..
دوماً وأبداً..
وإلى لقاء..

أزمة الصيادلة بقلمي: صيدلي/محمد السيد الاسكندراني
أزمة الصيادلة
بقلمي: صيدلي/محمد السيد الاسكندراني

زر الذهاب إلى الأعلى