مقالات متنوعة

تواضع العلماء

وقت النشر : 2022/12/14 11:06:24 PM

بقلم: د.سلامة عمر

الأخلاق جوهر الإسلام وروحه السارية في جميع جوانبه فقد قصر رسول الله ﷺ أهداف رسالته عليها في قوله (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) إذن فهدف الإسلام هدف أخلاقي، وقد قال الله تعالى في حقه ﷺ (وإنك لعلى خلق عظيم) سورة القلم:4، والتواضع نشر لمكارم الأخلاق، وجميل الآداب، فلا يلبس العبد أفضل من التواضع، وقد عبر عن ذلك شاعر النيل حافظ إبراهيم قائلًا:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإنْ همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

التواضع من الأخلاق المثالية والصفات العالية:

المسلم متواضع في غير مذلة ولا مهانة، والمتعالون في الأرض يطبع الله -عز وجل-على قلوبهم ويعمي أبصارهم، فلا يستشعرون قدرة الله القاهرة فوقهم ولا ينتفعون بآيات الله الباهرة من حولهم يقول الله تعالى (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) سورة غافر:35. وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا يعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه”، وإذا كان التواضع واجبًا على جميع الخلق فإنه لأهل العلم أوجب وأعظم، فلا بد لأهل العلم أن يدركوا أن العلم قد يكون نعمة وقد يكون نقمة على صاحبه فبالإخلاص والتواضع يكون نعمة وبالتكبر والتفاخر يكون نقمة، والعلم لا يستقيم مع الكبر، ولا يؤتي مع المعصية, إنما يزداد بالتقوى, حيث يقول الحق سبحانه: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة:282.

صور من تواضع العلماء:

وقد كان العلماء المخلصون يقتدون بسيد المتواضعين محمد ﷺ، فيتحدث يحيى بن معين عن الإمام أحمد بن حنبل قائلًا: ما رأيتُ مثل أحمد، صحبناه خمسين سنةً، ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير، وقال المروزيُّ عنه أيضًا: لم أر الفقير في مجلس أعزَّ منه في مجلس أبي عبد الله؛ كان مائلًا إليهم مُقْصِرًا عن أهل الدُّنْيا، وكان فيه حِلْمٌ، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التَّواضُع، تعلوه السَّكينة والوَقَار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلَّم حتى يُسْأَل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدَّر، وقال أبو عبد الله المعيطي: رأيت أبا بكر بن عياش بمكة فأتاه سفيان بن عيينة، فبرك بين يديه، فجعل أبو بكر يقول له: يا سفيان، كيف أنت؟ يا سفيان، كيف عيال أبيك؟ قال: فجاء رجل يسأل سفيان عن حديث، فقال سفيان: لا تسألني ما دام هذا الشيخ قاعدًا، قال عطاء بن أبي رباح: إن الرجل ليُحدِّثني بالحديث، فأنصت له كأني لم أسمعه، وقد سمِعتُه قبل أن يولد.
أسأل الله -عز وجل- أن يهدينا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو وأن يقينا سيء الأخلاق فإنه لا يقي سيئها إلا هو.

زر الذهاب إلى الأعلى