أدبي

غرفتي القديمة

وقت النشر : 2023/03/10 04:40:00 PM

بقلم: أماني عبدالسلام

أصابني اليوم حنين لغرفتي القديمة في بيت أبي؛ تلك الغرفة المثالية حيث كل شيء منظم ومختار بعناية ليناسبني.
سريري الصغير الذي تعلوه مكتبة لم يكن بها مكان لمزيد من الكتب، والوسادة التي استقرت تحتها مسبحتي الحبيبة، كانت هدية من إحدى صديقاتي، يجاوره الكومودينو الذي حمل لوقت ما جمجمة بلاستيكية استعرتها للدراسة، بعدها كان يحمل دومًا رواية مفتوحة مقلوبة على وجهها.
مكتبي العتيق، هو في الحقيقة كان مكتب أخي، وظل هناك تتعاقب عليه الكتب والأوراق والأقلام، كان لي ولأخي اختراع لم أعرف من أين أخذناه، وكان عبارة عن لوح زجاج قديم ثبتنا تحته عددًا من الأوراق البيضاء، وكنا نكتب عليه بأقلام الألوان الفلوماستر كطريقة موفرة للأوراق “سبورة بيضاء بلغة العصر “.
نفس المكتب حمل جهاز اللابتوب في آخر سنوات الدراسة، اللابتوب المنظم جدًا، يحوي ملفاتي الصوتية والقصائد المغناة، والأناشيد الإسلامية التي كنت أحبها، والأفلام الملهمة التي أفضلها.
على الحائط الملاصق للمكتب كانت هناك لوحة من الفلين ثبت عليها بطاقات عديدة، تلك فيها أهدافي في الحياة، وتلك فيها الأهداف المرحلية وبعض أبيات الشعر التي أحبها، وأسماء الشخصيات التي تلهمني، وبعض آيات من القرآن الكريم.
بجوار اللوحة، كان على الحائط مكتبة أخرى عتيقة الطراز بسيطة التصميم، حملت جميع أعداد روايات رجل المستحيل بالإضافة إلى أعداد متفرقة من روايات شبابية أخرى ك “زهور” و “ملف المستقبل” و ” ما وراء الطبيعة “، وكتبًا طبية وأشعار وروايات مترجمة، وقد علق على كل رف بطاقة بنوعية الكتب التي فيه.
كانت هناك سجادة صلاة مطوية على حافة الفراش، زرقاء اللون ،وهو لوني المفضل، تركت قدماي آثارها عليها لطول احتفاظي بها، وخزانة ثيابي المحببة، علقت عليها ورقة كبيرة كتب عليها “ستجدني إن شاء الله من الصابرين”.
كانت كلها قطع أثاث قديمة مستعملة في الغالب، لكل منها لون مستقل، ولكني كنت أحبها، كانت منظمة لدرجة لا تصدق، وتشبهني كذلك لدرجة لا تصدق.
حتى جاء العريس، وأخليت الرفوف من سكانها، وبيع المكتب الحبيب، ثم جاء الأولاد، وفرطت المسبحة الجميلة، وذهبت سجادة الصلاة وقد استبدلت قدمي بقدمين أخريين، لم يعد هناك مكان للرواية المفتوحة المقلوبة على وجهها؛ فالكومدينو امتلأ بألعاب أبنائي وحاجياتهم.
بعض الفوضى التي تفزعنا وتقلب حياتنا رأسا على عقب تشعرنا بالخوف، ثم بالحزن، ثم نتقبل الأمر وندرك أن تلك الفوضى كانت أفضل ما حدث لنا، وأن تلك الحياة المنظمة جدًا جميلة ومهمة لفترة ما، وأنها يجب ألا تدوم للأبد وإلا أصابنا السأم واليأس.
الهدوء الأبدي الخالي من العواصف لا يأتي بسحب ولا يجلب مطرا ولا ينبت زرعا، ولكننا نحتاج زمنا كي نتعلم تقبل تلك العواصف بالحب والتقدير.

أقرأ أيضًا: قصة قصيرة

                من👈  هنا…

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى