أخبار مصر

بقايا امرأة

بقايا امرأة

وقت النشر : 2023/05/12 02:32:15 AM

بقايا امرأة

قصة قصيرة بقلم: دعاء زيان 

 

صوت الجرس ينطلق مدويًا، تهرع هيفاء وهكذا أسميتها، لغرفة الطبيب وبعدها تنادي على الحالة القادمة بصوتها الأجش _الذي لا يتناسب مع هيئتها التي تبدو طاغية الأنوثة_

سعاد درويش .. دورك، اتفضلي.

ترتدي هيفاء بنطالًا ضيقًا غريب اللون، لاهو بالأخضر ولا بالأزرق، لا أستطيع تسمية تلك الدرجة من الألوان؛ ربما لغرابتها، البنطال وحده يجذب أنظار كل من حولها مستنكرًا له، ترتدي عليه قميص يكشف أكثر مما يستر، وردي اللون شفاف الذراعين، كسائر فتيات الجيل الجديد ترتدي شيئًا قصير يغطي الشعر، يطلق عليه في الآونة الاخيرة “تيربون” شبيه الحجاب في نظرهم.

بجوار رجلها اليسرى تلتصق طفلة لا تتعدى الثانية، ممسكة بمصاصة برتقالية اللون تلعقها بتلذذ، قرابة الساعتين وأنا أنتظر.

المروحة فوقي تصدر أزيزًا مزعجًا أصابني بدوار، فجأة نادت باسمي “نور حمدي” دورك، سحبت قدماي إلي الغرفة، أغلقتها خلفي، وقفت أمامه مثل طفلة ما زالت تنمو أظافرها بنعومة، وهو يوبخني وينهال على مسامعي بعبارات أشبه بذخيرة حية، ينعي حالي وما ألت إليه صحتي، وكيف أصبحت الأن بعد أن كنت من الفاتنات.

طلب مني تناول بعض من العقاقير الطبية، والحضور صباحا لعمل أشعة وبعض التحاليل، استأذنت بسرعة الريح، هرولت للخارج وأنا أمسك الروشتة اللعينة، يَداي ترتعشان وقلبي يكاد يخرج من قفصي الصدري ويعدو هاربًا، وضعتها في حقيبتي السوداء ذات المقبض الفضي البراق وأغلقتها.

عدت مسرعةً إلى وحشتي وكهفي المظلم، إلى الشيء المقيت الذي يُدعى منزلي، أشعلت كل الأضواء، فتحت التلفاز، ضغطت على أعلى درجة في جهاز التحكم للصوت “الريموت كنترول”..

مرت الساعات وأنا أقلب قنوات التلفاز، لا يخطفني ولو لدقائق برنامج أو حتى فيلم قديم ربما كنت أعشقه في زمن قريب.

ولكن شيطاني الأسود سحبني عنوة وأعادني لذلك الشرود، فبدأت أتفحص كل شبر في المكان، وأراقب جدران المنزل وأشعر كأنها تقترب مني رويدًا رويدًا، وتكاد تطبق على ضلوعي فتهشمها.

وعلى غفلة مني رأيته أمامي، لا أعلم كيف دلف للداخل، يقف في منتصف الغرفة بجسده النحيل وعظامه البارزة، وكعادته في الآونة الأخيرة الشرار يتطاير من عينيه، صوب نظره نحوي وقال:

ألم يكفك ذهابًا للطبيب! إلى متى سيستمر ذلك الحال؟ منذ أشهر على نفس المنوال، عقاقير لا تنتهي، كل ليلة وأنتِ دائمة البكاء لا تكفي عن الأنين، حتى أصبحتِ بقايا امرأة..

انظري إلى نفسك في المرآة ،جذبني من ذراعي بمنتهى القسوة، وأوقفني أمامها وأردف:

_انظري جيدًا، تفحصي نفسك، هل يطلق على تلك السيدة في المرآة امرأة؟

 وبدأ يكمل ويزيد والغريب أني لم أعد أسمعه، فقط كل ما أراه شفتان تتحركان بسرعة جنونية، وعينان جاحظتان ويدان تتحركان صعودًا وهبوطًا كأنهما تمارسان طقسًا ما أشبه بالرقص الإيقاعي، وفجأة هزني بعنف وهو يمسك بتلابيبي قائلًا:

-كفى، أفيقي..

نزعت يده من على ثيابي، ثبت عيني بعينه، أجبت فقط بعدة كلمات :

– اطمئن، لقد حدث بالفعل.

حضر أهل الخير المصلحون، اجتمعت العائلة والكل يضرب كفًا بكف وأنا أردد كلمةً واحدة..

“الطلاق”..وهو يردد “مستحيل”..

رفض الود، إنهال بالسباب، يعيب ويهتك الأسرار أمام الجيران وأفراد العائلة، عايرني بمرضي وقلة حيلتي، اتهمني في شرفي ورغبتي في رجل آخر.

 

حاولت التوضيح، شرح ما أعاني منه، وقف الكل ضدي، ابتلعت الظلم، احتسبته عند البارىء، لجأت للقضاء، بعد نزاعات وجلسات بيننا دامت لعامين وأنا معلقة ما بين السماء والأرض.

أخيرًا صدر الحكم بالطلاق للمرة الثالثة، لن يمكنه الاستئناف مرة أخرى، بدون أدنى وعى مني أطلقت زغرودة رنانة لا أعرف من أين أتت، فأنا لم ازغرد في حياتي قط..

خرجت من الباب الرئيسي للمحكمة، رأيت أمامي عصفورًا أزرق به بعض الريش الأحمر والبرتقالي اللون، يرقص بنشوة وخفة، لا أعرف حتى الآن هل كان حقيقة أم من نسج خيالي!

 

بقايا امرأة
بقايا امرأة

 

زر الذهاب إلى الأعلى