أخبار مصر

خيوط رفيعة

خيوط رفيعة

وقت النشر : 2023/05/21 05:21:35 AM

خيوط رفيعة

 

قصة قصيرة بقلم: دعاء زيان 

 

الساعة الأن الواحدة ليلًا، عقرب الساعة يتخايل في سماجة ملحوظة، يبدو أن الوقت هو عدو الإنسان الأول، يعدو منطلقًا عند فرحه، ويتكاسل عند شعوره بالوحشة أو الألم.

الليلة لم تكن الأولى على ذلك المنوال فمنذ وفاة زوجي وونيسي في الحياة “عُمر” والليالي متطابقة.

لاح ضوء النهار، ضوءه تسلسل من الشيش الضيق البني اللون، لماذا لا يتسلسل لروحي فيطفأ لهيبها؟!

أنا ما زلت أبحلق في سقف الغرفة، هناك في الركن الأيمن عنكبوت صغير، يبدو أنه يقوم بشيء هام ، لا أستطع الجزم ماهو ، ربما يبني عشه ببعض من خيوطه الرفيعة، فالأضاءة ما زالت محدودة.

وها قد بدأ يوم آخر يزاد به أنين يعتصر روحي، تبًا للوعة الفراق، لا أقدر على المقاومة، لابد لي من مغادرة تلك الشرنقة الضيقة مهما كلف الأمر.

صممت على كسر القيود، بل تحطيمها.

خلعت الأسود، مر ثلاثة أعوام، كفى حزنًا، اخترت ألوانًا زاهية، فستان من الحرير الزهري اللون، عليه “إيشارب” من الستان المطعم بوردات رقيقة النقش زهرية اللون، وانتعلت حذاءً ذو كعب قصير زهري اللون.

إن لم أساعد نفسي فمن سيفعل؟!

علىّ الفكاك من أنياب اليأس، الخروج من جدران المنزل التي تطبق على ضلوعي، مشيت بلا هدف، لا أدري إلى أين ستأخذني قدماي تلك المرة.

وجدت نفسي بالكورنيش حيث أجد راحتي مع نسمات الهواء العليل والهدوء، أحسست بدفء يتسلسل إلي قلبي الوجل، طمأنينة تسري في بدني كله، لكن سرعان ما تبدد كل ذلك من مشهد تكرر أمامي عدة مرات، شاب وفتاة صغيران يهمسان لبعضمهما في الظلمة، في جزء خفتت فيه أضواء الأعمدة الكهربية، يتهامسان وقد اقتربت أجسادهما حد الإلتصاق، دفعني قلب الأم والمروءة في بداية الأمر لإحسان الظن، ربما يكونا إخوة، بعد خطوات أخرى، رأيت آخرين..

تلك المرة يحتضن كفيها، انتبانى الهلع، لا داعي لحسن النية بعد الآن أنهما حبيبان، لكن أي حب هذا لأولاء الخمس عشر، انصرفت قبل أن ينطلق لساني بما لا يحمد عقباه، رأيت المشهد الأخير، فتاة تسقط في أحضان شاب بجوارها، وهو يحرك يداه على جسدها دون أي مبالاة أو حياء أنهما في قارعة الطريق..

هنا تجمد عقلي، جف حلقي، حبست بداخلي الكلمات، وقفت أحاور نفسي، ما الذي تفعله تلك البلهاء؟

تلقي بكرامتها وعفتها في عرض الطريق، ينهش عرضها وعرض أباها كل العابرين؟

أين اباكِ أيتها الصغيرة؟ أين والدتك؟ هل ألهتهم حياتهم الدنيا عنكِ؟ هل لكل منهم نزوة منشغل بها؟

 هل توفاهم الله وأنتِ وحيدة في هذا العالم الموحش بلا مربي أو صدر حنون، ووجدت في ذلك الفتى الأرعن ملاذك الأمن؟

 هل تطلقا وانتقما من بعضهما البعض فيكِ؟! فقررت أن تردي لهما الصاع صاعين، أن تدنسي شرفهم وأمام عيون جميع المارة.

لاحظ وجودي فقال بطريقة سوقية عديمة الحياء لها:

– هيا بنا، توجد إمرأة فضولية تراقبنا.

ضحكت بصوت رقيع وقالت:

– هيا، لنجلس بمكان أكثر هدوءً.

رمقني بنظرة استحقار، لف ذراعه حول خصرها، انطلقا مسرعين، لبثت أتابعهم حتي غابا عن الرؤية وأنا أضرب كفًا بكف..

 

زر الذهاب إلى الأعلى