أخبار مصر

قليل من المنطق

الحرب وآثارها النفسية

وقت النشر : 2023/10/22 05:58:32 PM

قليل من المنطق
الحرب وآثارها النفسية

بقلم: الناقد والكاتب زكريا صبح

مصطلح الحرب النفسية  شائع  فى الأوساط  كافة، ولذا  ليس غريبًا أن تسمعَ أحدهم يقول: (لقد مارس فلان حربًا نفسية ضد فلان) وهو يقصد أنَّ الأول اتبع طريقةً مقصودة بخطة مرسومة لتشويه الثانى أو لبث الرعب فى نفسه أو قامَ بتزييف الحقائق الواضحة  فى تاريخه أو نشر ادعاءات كاذبة تمس سمعته  وربما وصل الأمر بالأول أن يفتعل مشكلةً ما مع ثالث فقط من أجل إرهاب الثانى.

ولكن  للحقيقة  ليس هذا محور حديثى عن الحرب النفسية  الآن، لأنَّني بالأحرىٰ أقصد مناقشة الآثار السلبية  للحرب على النفسية الإنسانية بصفةٍ عامة، وأقصد مناقشة آثار العدوان الغاشم  الذى قام به الكيان الصهيونى مدعومًا من قوى عظمى ضد شعبنا الفلسطينى الأعزل فى غزة والأراضي العربية المحتلة، وربما ما دعانى لكتابة هذا المقال  ما لمسته من هزات نفسية أصابت الكثيرين منا نحن المشاهدون  للحرب ولم نخض بعد غمارها، وربما ما دفعنى بالأحرىٰ لكتابة هذا المقال ما وجدته فى نفسى  من لحظات  مزلزلة، هزت أركاني حتى كدتُ أن أفقدَ عقلى، فلما لمَّحت لبعض أصدقائي  لما اشعر به  وجدته  يبادلنى  الشعور ذاته، فلما حدثت ثانى وثالث وكثيرين  وجدتُ أنَّني لست بدعا من  الناس، وأنَّنا جميعًا نتعرض لهذه الهزات التى  تكاد تخلب العقول وتذهب بها.

فلقد وجدتُ أكثرنا يجنح إلى الهرب الدائم نحو المجهول  كأنه يرفض تصديق الواقع والوقائع  التى يشاهدها، ولذا لم أعد استغرب أن يتحدث البعض منا فى توافه الأمور، وتعلمتُ ألَّا أُلقي باللائمةِ على أحد، فلقد أيقنتُ عن تجربةٍ شخصية أنَّني دائم الهرب إلى موضوعات تافهة  فى معمعة الحرب الدائرة  بعد أن اقتربت من حافة الجنون مما شاهدت ولم أزل.
ووجدتُ آخرين وقد فقدوا الرغبة التامة فى الحركة؛ الحركة العادية والمعتادة، فمثلًا وجدت هذا البعض  يميل للنوم ساعات طوال، ورأيتُ البعض  يتهرب من الذهاب للعمل بحجة المرض ( يتمارض) ووجدتُ آخرين إذا جلسوا لم يرغبوا فى القيام وإذا ذهبوا لم يرغبوا فى العودة وإذا ناموا فضَّلوا أن يبقوا فى حالة نوم دائم، إنَّهُ الشلل التام الذى يضرب مراكز الحركة والنشاط تعبيرًا عن الحزن  الذى تسرب إلى الروح وعجزت معه الحواس عن فعل أي شئ، وربما كان أخطر ما شاهدت فى إطارِ الآثارِ السلبية _للحرب الدائرة الآن_ على النفس الإنسانية  هى رغبة البعض فى إيقاعِ الإيذاء  بنفسه، فهذا أحدهم  وقد  ترك يده عرضةً للإصابة أمام ماكينةٍ ما، وآخر أهملَ تجارته حتى تلفت وكادَ أن يفقد ماله،  وثالث أهملَ بيته وعياله، إنَّها حالةٌ عامة من  الملل والتيه الذى يضرب  بعمق فى أرواحنا، إنَّها حالة من اللامبالاة تجاه أمر جلل لا نملك معه فعلًا مساويًا، إنَّها حالة من الاستسلام الكريه أمام بطش الصور الدامية والانفجارات المروعة  والصرخات المدوية والمنازل المتهدمة.

فإذا وجدتَ شيئًا من ذلك فى نفسك فلا داعى للقلق، إنَّها الآثار السلبية للحرب المتوحشة التى يخوضها العدو ضد أهلنا فى فلسطين الأبيَّة خاصةً، وضد الشعوب العربية  عامةً، فإذا كان يضرب بيد من حديد بكل ما يملك من معداتٍ وأسلحةٍ من أجلِ قتل الأبرياء مباشرةً، فإنَّهُ يضرب بذلك عصفورًا آخر حينما يبعث برسائل التخويف  للشعوب العربية كافة، ومن ثم إحداثِ حالة من الارتباك فى صفوف من يفترض أنَّهُ سيدعم اخوانه فى ساحة المعركة. وإنَّني اذ أكتب هذا المقال أود أن نتنادى فيما بيننا على  التثبيت، فليُثبّت أحدنا الآخر، وليهون أحدنا على الاخر، ولنربت على أرواحِ بعضنا مثل أخوة صغارًا فقدوا عائلهم فجأة، صحيح فجعتنا الصدمة  ولكنى على ثقة تامة ولدى يقين  مطلق أنَّنا سنتعافى، وسنعيد صف الصفوف، وسيشد بعضنا أزر بعض، سنتخطى  حاجز الصدمة  وسنبدأ عما قريب فى معاقبة المجرم، فقط  علينا إدراك أنَّ ما نمر به  هى مرحلة مؤقتة، ولحظات استثنائية  لن تطول، نحن جميعًا مرضى لكننا سنهب العافيةَ لأنفسنا.

زر الذهاب إلى الأعلى