أخبار مصر

قليل من المنطق

وقت النشر : 2023/11/13 07:45:53 PM

قليل من المنطق

بقلم: الناقد والكاتب زكريا صبح

يظن البعض أنَّهُ بلا حيلة، وأنَّ يده مغلولة تجاه ما يحدث لإخوانه فى غزة وفى غيرها من أماكن يُضطهد فيها المسلمون ليل نهار  ويحارب فيها كل ذي هوية عربية فى مشارق الأرض ومغاربها، ويشعر البعض منا بالخزى والعار لأنه مكتوف اليدين لا يستطيع دفعًا عن إخوانه فيقعد تملأ الحسرة قلبه، وربما علم الله ما في قلوب البعض منا من إخلاص، فيسر له أمر معاونة إخوانه بالمقاطعة.

نعم المقاطعة التى كانت الحكومات تتسول  شعوبها من أجل الدفاع بها عن المنتج الوطنى وتوفيرًا للعملة الصعبة، فكانت تطارد الشعوب ضاغطةً عليها من أجلِ شراء المنتج المحلي، وتنفق من أجلِ ذلك كثيرًا عبر الإعلانات وحملات التوعية ومهرجانات التخفيضات وإقامة المعارض. ثم تأتى الأحداث الدامية  فتثير الغضب الكامن فى الصدور  ليجد كل واحد منا نفسه  مندفعًا نحو المقاطعة، ولم تعد أمرًا اختياريا بل صار واجبًا شرعيًا وإنسانيًا.

شرعيًا من حيث أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم  فى حديثه  يقول ( من رأى منكم منكرًا فليغيره  بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان )
وربما كان فهمى للحديث يدور  حول  درجات إنكار المنكر ورمزية اليد واللسان والقلب، فاليد هنا لا تعنى فقط  القوة والبطش  بل تعني أيضًا كل ما تطاله يد الإنسانِ مستخدمًا إيَّاه فى إنكار المنكر ودفع أذاه عن الناس، وبالتالى  فالمقاطعة تقع  فى  حدود ما تطاله يد الإنسان، أو لنقُل هى المتاحة أمامنا الآن.

ومن ثم  يكون فعل المقاطعة فعلًا إيجابيًا، بمعنى أنَّهُ لم يعد مجرد امتناع عن شراء منتجات المجرمين وحلفائهم وأذنابهم، بل أصبحَ فعل المقاطعة يلزمه سعيًا حثيثا للبحث عن كل منتج من منتجاتهم  والإشارة نحوه، وإيجاد بديلًا له وتركه  يواجه مصير الكساد والتلف، ومن ثم  تتوقف آلة انتاجه وتجف عوائده التى تذهب رصاصات إلى قلوب أهلنا المستضعفين.

والمقاطعة أمرٌ انساني  بغض النظر عن دين من  يقاطع، فالإنسانية تحتم على بني البشر الإضرار بمصالح المجرمين فى كل مكان انقاذًا للإنسانية، من أجلِ ألَّا يسود قانون الغاب، من أجلِ أن يرتدع المجرم الذى لا يراعى فى بطشه القانون الإنساني العام، الذى يحرص على المحافظة على النفس وإلَّا سيتحول المجرم إلى مصاص دماء ليلتهم ضحية بعد أخرى.

ربما اتفقت معي الآن فى قيمة ما تفعله أنت وأنا وجميعنا بتفعيل المقاطعة، ولا يلفتك عن ذلك قول بعضهم أنَّ المقاطعة فعل سلبي، بل قل له إنما صارت فعلًا إيجابيًا عندما أصبحت اختيارنا بمحض إرادتنا، عندما أصبحت اختبارًا لإرادتنا تجاه ما نحب ونشتهي، عندما أصبحنا نرى فيها إنقاذًا لأطفالٍ تقتل وقرى تُباد.

ألم يقل ربنا فى محكم التنزيل (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)
تخيل معي أن خزنات الرصاص قد نفد رصيدها، ولم يعد  الجندى قادرًا على تصويبها باتجاه صدور أهلنا فعجز عن قتلهم، ألسنا المعنين الآن بهذه الآية لأننا مارسنا فعلًا إيجابيًا عندما امتنعنا وقاطعنا منتجاتهم، ومن ثم قطعنا أيديهم عن قتل إخواننا؟..

زر الذهاب إلى الأعلى