أخبار مصر

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة الثالثة

وقت النشر : 2023/11/16 06:06:58 PM

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة الثالثة

بقلم:الكاتب الروائي حسن العربي

حتى هذا اليوم وإلى هذه اللحظة، كنت أعيش على هواي دون أن أي حساب للوقت الذي كان يمر قطاره عابرًا أمامي دون توقف.

بخطى ثقيلة ونفس حائرة بدأت أتحرك فى اتجاه المقعد القابع هناك في غرفة الجلوس، هذا الملعون أو المحبوب، هو الذي كلما جلست عليه أخذني لعوالم أخرى وشخصيات خيالية لا وجود لها،فتارةً أراني أحلق في السماء مع النجوم، وتارة أجدني في أحضان أمير وهمي قد جاءني مسرعًا على حصانه الأبيض ليخلصني من العزلة والقضبان ويطلق سراحي، ونطير معًا فى منظومة حب لم يرها إنسانٌ، وتارة أراني عروس البحر تخرج من غور البحر إلى الشاطئ الوردي بزهور هاواي، والكل ينتظرني كما ينتظرون ملكات القصص وزوجات السلطان.

ثم فجأة فتحت عينيّ على أصوات تتعالى وطرقٍ شديدٍ على الباب، ترتفع حدته كلما فتحت عيني، وصوت من الخارج يطلب النجدة، وبين رنين الجرس والدقات على الباب بدأتُ أستفيقُ من غيبوبتي وأعود إلى رشدي، يبدو أن شيئًا خطيرًا قد حدث، قمت من على مقعدي مسرعة وبدأت أنا الأخرى أهرول حتى أصل إلى الباب،وبدأت أفتحه بعصبية، مَن عساه أن يكون؟

مَن، مَن، مَن الطارق، مهلًا أنا قادمة، من على الباب؟!

أنا كمال، افتحي أرجوك يا دكتورة افتحي، أسرعي من فضلك!

نعم سأفتح، انتظر. 

فتحت الباب وأنا في حالة توتر من لهفة الطارق عندما تأكدت من صوت جاري الأستاذ  كمال وزوج صديقتي وجارتي ليلى، وفي لمح البصر بدأ عقلي يجوب في كل الاتجاهات لأكتشف ما هو سر انزعاج ولهفة الأستاذ كمال!

ولما أن فتحت حتى بادرني مسرعًا وأخذني، بل شعرت وكأنه يجرجرني من يدي بقوة رغم ارتعاش يده، وقد بدا الخوف عليه وهو يصرخ فيّ بصوتٍ عالٍ وبطريقة هستيرية لم أعهدها أبدًا منه:

ليلى، ليلى، أرجوك أن تحضري معي لتري ماذا حدث لليلى، يا دكتورة من فضلك أسرعي، أسرعي فقد انتابها شئ غريب!

يبدو أن المفاجأة والطرق الشديد على الباب وعصبية وصراخ الأستاذ كمال كانت قد شلت تفكيري تمامًا ووجدت نفسي منساقة إلى الاتجاه الذي أخذني فيه دون أن أتفوه بكلمة واحدة. وهو يجرني جرًا إلى داخل بيته، وإذ ببناته الثلاثة مصطفات أمام الباب بين صرخات واستنجادات أطفال غير مفهومة يغطيها الهلع والبكاء بأصوات مرتفعة.

من الواضح إنه كان يتجه بي إلى غرفة النوم على يمين المدخل ومن ورائنا البنات الثلاثة، الكل يريدني أن أرى ما داخل الغرفة.

ما أن خطت قدماي باب الغرفة حتى وجدت ليلى ملقاة بين فراشها ودولاب الملابس ويدها اليسرى تلوح ذات اليمين وذات اليسار، ويظهر من أول لحظة إنها غير قادرة على التحكم فى إيقافها، أما وجهها فقد كان شاحب اللون وعيناها غارقتان فى بكاءٍ هيستيري، وبين همسات استغاثة وصرخات ألم كان عقلي قد حلل الموقف فى سرعة البرق، فهي حالة من الصرع لا شك فى ذلك وكان رد فعلي المباشر هو أن صرخت فى كمال:

لابد من استدعاء الإسعاف فورًا واترك يدي!  

آسف، آسف جدًا ولكن، ماذا حدث أرجوك أريد أن أطمئن من فضلك يا دكتورة!  

من الواضح أنها تمر بحالة صرع، من أثر حزنٍ أو شئٍ من هذا القبيل، ومن الضروري الكشف عليها وإجراء بعض الفحوصات.

ثم استطردت:

سوف أحقنها بمهدئ حالًا.

ثم سحبت يده التي كانت لا تزال تقبض على معصمي مثل الغريق الذي يتشبث بآخر أمل له فى الحياة، وجريت مسرعة إلى شقتي، أحضرت حقنة مسكنة نستخدمها أثناء الطوارئ وفي حالات مشابهة، ثم حقنتها.

لم يمض وقت طويل حتى بدأت ليلى تستجيب إلى مفعول المهدئ، ومعًا حملناها على السرير ثم بادرني:

أخبريني يا دكتورة ماذا حدث، لقد دخلنا إلى الفراش بالأمس، وكانت على ما يرام، فجأة استيقظت وهي طريحة الأرض، وتصرخ وغير قادرة على أن تتحكم فى يدها التي كانت  تطرق تلقائيًا دون أدنى قدرة لها على التحكم فيها، فمرة تلوح يمينًا فى اتجاه الدولاب و مرة يسارًا في اتجاه الفراش .

إن شاء الله خير يا أستاذ كمال، أنا سأقوم بالاتصال بالمستشفى حالًا حتى ترسل عربة إسعاف، وإن شاء الله كل شئ سيكون على ما يرام.

إسعاف، مستشفى، لا بد أن تخبريني بالحقيقة، ماذا جرى لليلى أرجوك اشرحي لي، ولا تخفي عليَّ أي شئ من فضلك.

كان يتحدث والمرارة تملأ فاه، والأطفال من حولنا يستمعون تارة ويصرخون تارة أخرى.

هدأت ليلى وذهبت في نوم عميق، أما أنا فقد بدأت استرجع رشدي وبدأت أرتب أفكاري، ووقفت وأنا متوجهة إلى البنات:

هيا يا بنات لتَسترحن قليلًا، والدتكن بخير، وإن شاء الله كل شيء سيمر وتعود كما كانت.

أخذت أصغرهن في حضني وأنا أسحب أكبرهن من يدها وبدأت أتحرك بهن إلى غرفة النوم وهناك وجهت حديثي للكبري:

هيا حبيبتي أنت الكبيرة والدتك ستشفى إن شاء الله، ولا بد أن تَراكن فى حالة جيدة عندما تفيق، وأنت عليك أن تنتبهي إلى أخواتك حتى أستطيع التحدث لأبيك قليلًا.

عندما التفت ورائي فى طريقي إلى الصالة لشرح ما يجب عمله لكمال وترتيب الموقف إذا بي أرى عينيه تصولان وتجولان فى جسدي الذي لم أكن أدرك إنه شبه عارٍ بهذا القميص الشفاف الذي يظهر من ورائه أكثر مما يخفي.

زر الذهاب إلى الأعلى