أخبار مصر

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة 15

وقت النشر : 2024/01/05 03:32:00 PM

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة 15

بقلم: الكاتب الروائي حسن العربي

هنا بدأتُ أنسحب إلى الوراء لأترك مساحة لليلى حتى تدخل شقتها ودخلت شقتي. أغلقت الباب ورائي ووقفت مستندة بظهري عليه، وبدأ شريط الأحداث يعود أمامي مرة أخرى منذ أول لحظة وحتى الآن، وبدا لي أنها أحداث كثيرة وكأن عمرًا كاملًا قد مضى في هذه الأيام القليلة.

كل المشاهد تمر أمامي وأراجعها مشهدًا مشهدًا وأتعجب من مواقفي!

ثم هذا المشهد الذي انطبع فى خيالي وهو ينظر إليّ بتمعن ورغبة رغم الحدث، وعدت مرة أخرى أفكر في تلك النظرات المتبادلة والتي أفهمها ويفهمها جيدًا.

عبثًا حاولت أن أطرد تلك النظرات من مخيلتي وأنا أُوبخ نفسي مثلما تفعل معي مرآتي.

انتقلت بخفة من وراء الباب إلى مقعدي الجميل واسترخيت فوقه وانسحبت من كل ما حولي إلى عالم الخيال حيث رأيتني أسير وأنا أرتدي القميص واتبختر به أمامه، وهو يلتهمني بعينيه، ورأيت كل تفاصيل الحدث من منظور فوقي!

فإذا بي أذهب إلى غرفتي وأرتدي قميصي وأقف أمامها فقد رأيتني في خيالي، والآن أريد أن أراني بعينيه وعينيّ في الحقيقة أريد أن أرى المشهد من زاويتي.

فبادرتني:

نعم لقد رأى كل هذا وقد أمعن النظر أيضًا وأنت السبب.

لم أُعِر كلامها أي اهتمام وعدت أنظر وأنظر ولا أدري ماذا حل بي، هل هي سنوات الحرمان الطويلة تدفعني إليه أم أن القلب ينبض به أم ماذا، ثم هل هو أيضًا يبادلني ما أتخيله في حالته هذه ورغم الأحداث التي يمر بها، أم إنه خيالي هو الذي يدفعني؟

وإذا بها تصرخ في وجهي:

وليلى؟ هل نسيتِ صديقتك وجارتك ليلى؟!

أغلق صراخها كل مشاعري وحنيني ولحظات جميلة كنت قد أبحرت فيها إلى الأعماق.

تعاون كمال وليلى والبنات فى محاولة إعادة عشهم إلى ما كان عليه قبل أن تعلو فيه أمواج الأرق وأنين المرض ولوعة الفراق وانطلقت ليلى بإيمانها وثقتها تطوف حولهم كالفراشة وكأن شيئًا لم يكن!

عادت تعطي الأوامر لكمال وبناتها فى حب ملأ أركان البيت، وأخيرًا دبت الحياة وأضاء نور إيمانها وحبها كل أرجائه، ثم بدأت مع كمال فى حصر كل ما ينقص البيت وخرج كمال لإحضار الطلبات وحده.

انتهزت ليلى الفرصة وانفردت ببناتها وانغمست تحصد من أحضانهن كل ما تستطيع وعادت المربية والأم إلى مكانها ومكانتها بين بناتها وكأن الحياة كلها لا تساوي شيئًا مثل تلك اللحظات الجميلة.

عاد الدفء يملأ أرجاء المكان بعد أيام كان البيت فيها خاويًا من كل أمان.

رجع كمال وقد امتلأت يداه بالأكياس والمشتريات وجرت ريم إليه تساعده فى إفراغ وترتيب الأشياء تحت إشراف ليلى، أما إنجي فكما تعودنا كانت تجري وراء أبيها وتسأله عن الحلوى والشوكلاتة، ثم يضحك الجميع ويمر الوقت هادئًا ولم تُنغصه حتى تلك البقع الحمراء التي مازالت تقبع على وجنة ريم وتقلق آمال وكمال كثيرًا لكن دون أن يبوح أحد أو يظهر هذا القلق.

فى اليوم التالي، انطلقت آمال إلى المستشفى وكل ما يشغلها هو نتائج التحليل التي كانت تنتظرها، والتي جاءت بما كانت تتوقع تمامًا، فقد عرفت منها أن هذه البقع إنما هي رد فعل للحساسية من مادة تتواجد في تركيبة المواد المهدئة والمنومة والتي أصبح من الواضح أن ريم قد تناولتها.

ورغم خطورة الحدث، إلا أن ليلى رأت أن المشكلة مرت بسلام وأن الحساسية لم ينتج عنها إلا تلك البقع الحمراء التي ترى أنها تتوارى سريعًا، وإن ريم لا يجب أن تتعاطى هذا الدواء مرة أخرى لعدم تحمل جسدها له.

جلست فى مكتبي، نتائج التحاليل في يد وفي الأخرى روشتة الدواء الذي يجب على ريم أن تتعاطاه فى الأيام القليلة القادمة، أما أنا فكنت حائرة بيني وبين نفسي واتساءل:

هل أستَدعيه إلى مكتبي بالمستشفى أم آخذ الأمر بشكلٍ ودي وأذهب وأدق عليه باب بيته؟

كانت الحيرة تقتلني فرغم أنه لم تمر إلا ليلة واحدة إلا أنني بدأت افتقد أحضان السعادة وضحكات الصغار ونظرات كمال الثاقبة أيضًا!

ثم اتخذت قراري أن يكون الأمر رسميًا وأن أحادثه هاتفيًا كي أخبره خاصة، وإنني لم أكن أريد أن تسمعنا ريم ونحن نتناقش حتى لا تنزعج وتتصور أن المسأله خطيرة وهي لم تزل صغيرة.

وبالفعل اتصلت به هاتفيًا:

أهلا كمال! أنا آمال!

أهلا يا آمال كيف حالك هات ما عندك طَمئنيني.

الحقيقة أود أن أتشرف بزيارتك لي في المستشفى لأعطيك نتيجة التحاليل ونتكلم قليلًا في الموضوع.

نعم أكيد، سوف أرتدي ملابسي وأحضر فورًا لكن، هل الأمر خطير؟

لا لا إن شاء الله خير بضعة أيام وتذهب البقع الحمراء ويعود وجهها مشرقًا كما كان.

هناك دواء بسيط لا بد أن تتعاطاه والمرهم الذي كنت قد دهنت به على وجهها لا يكفي وحده.  

أشكرك يا آمال، سَأطمئن ليلى والبنات ثم أحضر إليك.

انتظرت كمال ولأول مرة أجدني بهذا التوتر. 

كيف سأقابله؟

كيف سأصافحه؟ 

كيف سأبدأ الحديث وأنهيه؟

أسئلة كثيرة كانت تدور في عقلي ولكن أكثر الأسئلة أهمية هو كيف سيستقبل كمال الأمر فأنا كطبيبة يجب عليّ أن أبلغ الجهات المسئولة أولًا فى المستشفى وثانيًا الجهات الأمنية. 

فهل يا ترى سيوافق هذا الرأي كمال خاصة، وأن صابرين هي ابنة عمه؟

مر الوقت سريعًا وإذا بمسئول الاستعلامات يعلن حضور كمال فى صالة الانتظار!

زر الذهاب إلى الأعلى