أخبار مصر

“رِهاب التعمق”.. هل نخشى النظر في أعماقنا؟

وقت النشر : 2024/01/30 12:09:59 PM

“رِهاب التعمق”.. هل نخشى النظر في أعماقنا؟

كتبت: رويدا عبد الفتاح

في عالم اليوم سريع الخُطى، نتعرض باستمرار للمحفزات الخارجية والمشتتات، لقد تضاءلت فترات اهتمامنا، ونجد أنفسنا نسعى باستمرار إلى الإشباع الفوري والعلاقات السطحية، يبدو أن العمق والتعمق قد أصبحا شيئين نخشى الاقتراب منهما، قد يكون لدينا القدرة على الوصول إلى معلومات ضخمة وتجارب متنوعة بلمسة واحدة، ولكن هل فقدنا القدرة على الانغماس في أعماقنا الداخلية؟ هل نُعاني من “رِهاب التعمق”؟

• مصطلح “رِهاب التعمق”:

رِهاب التعمق هو حالة نفسية تجتاح العديد منا في هذا العصر السريع والمرهق، إنه الخوف من الانغماس في أفكارنا ومشاعرنا الحقيقية، والخوف من مواجهة الجوانب المظلمة والمعقدة في حياتنا، نعيش في زمن يشجعنا على البقاء على السطح، حيث ينتشر الانشغال والتشتت، ويتم تمجيد السطحية والسرعة.

• أسباب رِهاب التعمق:

أحد الأسباب الرئيسية لهذا الخوف هو تجنب الألم العاطفي، نحن نعيش في مجتمع يشجعنا في كثير من الأحيان على قمع عواطفنا أو وضع واجهة من السعادة والنجاح، نخشى أنه من خلال التعمق في أعماقنا، سنكتشف ذكريات مؤلمة، أو صدمات لم يتم حلها، أو مشاعر مدفونة تجنبنا مواجهتها لفترة طويلة، ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن الشفاء الحقيقي والنمو لا يمكن أن يحدث إلا عندما نواجه هذه التحديات وجهًا لوجه.

هناك عامل آخر يساهم في رِهاب التعمق وهو الضغط من أجل التوافق والمقارنة المستمرة مع الآخرين، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، نتعرض باستمرار لنسخ منسقة بعناية من حياة الناس، تسلط الضوء على نجاحاتهم وإنجازاتهم، وهذا يخلق وهم الكمال ويمكن أن يجعلنا نشعر بعدم الكفاءة أو عدم الجدارة، ونتيجة لذلك، قد نخجل من استكشاف أعماقنا خوفًا من اكتشاف عيوبنا.

ومع ذلك، من المهم أن نفهم أن احتضان العمق والغوص في أنفسنا أمر ضروري للتنمية الشخصية وتحقيق الذات، ومن خلال التأمل الذاتي والتأمل، نكتسب فهمًا أعمق لمعرفة من نحن، وما يهمنا حقًا، وما يجلب لنا السعادة والوفاء.

عندما نواجه مخاوفنا، ونواجه صدماتنا الماضية، ونستكشف أعمق أفكارنا ومشاعرنا، فإننا نمنح أنفسنا الفرصة للنمو والتطور، نحن نكتسب الوعي الذاتي، ونطور الذكاء العاطفي، وننمي الشعور بالأصالة والهدف في حياتنا.

• عوامل رِهاب التعمق:

قد يكون رِهاب التعمق ناتجًا عن عدة عوامل، قد يكون الخوف من التعرض للألم والجروح العاطفية، أو الخوف من اكتشاف أنفسنا والتصالح مع جوانبنا الضعيفة والمنكوبة بالعيوب، قد يكون الضغط الاجتماعي والمقارنة المستمرة مع الآخرين يلعبان دورًا في تعزيز هذا الرِهاب، حيث نحاول الحفاظ على صورة مثالية ومقبولة في أعين الآخرين.

ولكن ماذا يحدث عندما نتجاهل أعماقنا؟ ماذا يفوتنا عندما نخشى النظر في أعيننا ونتجنب التعمق الحقيقي؟

ببساطة، نجد أننا بذلك نفقد الفرصة للنمو والتطور الشخصي، إنه كأننا نعيش في سطحية ساحل محدودة، بينما يكمن الغنى والجمال في أعماق المحيطات التي لم نستكشفها بعد.

التعمق يعني مواجهة أفكارنا ومشاعرنا بصدق وشجاعة، إنه استكشاف طبقاتنا الداخلية والتفكير بشكل عميق حول حقيقة وجودنا وغرضنا في هذه الحياة، عندما نتعمق في ذواتنا، نكتشف إمكاناتنا الحقيقية ونطلق العنان لإبداعنا وشغفنا.

يمكن أن يكون التعمق مرهقًا ومؤلمًا في بعض الأحيان، فقد يكشف لنا جوانبنا المُتعثرة ويجبرنا على مواجهة الصعاب، ومع ذلك، فإن النمو الحقيقي والشفاء العاطفي يأتي من خلال التعامل مع هذه الصعاب والتعمق فيها.

•خطوات التغلب على رِهاب التعمق:

للتغلب على رِهاب التعمق، يمكننا اتخاذ عدة خطوات:-

-أولاً: يجب أن نمنح أنفسنا الإذن للاسترخاء والانغماس في أعماقنا. يُمكن أن يكون للممارسات اليومية مثل المشي في الطبيعة أو اليوغا أو التأمل تأثير عميق على تهدئة العقل وتمكيننا من الاستماع إلى صوتنا الداخلي.

ثانيًا: يمكننا التواصل مع الآخرين ومشاركة تجاربنا ومشاعرنا.

عندما نشعر بالقلق أو الرهاب، قد يكون من المفيد البحث عن دعم من الأصدقاء أو العائلة أو حتى المساعدة الاحترافية من المعالجين النفسيين، يمكن للتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا أن يخفف من الضغط ويمهد الطريق للتعافي.

أخيرًا: يمكننا تغيير النظرة الثقافية لدينا تجاه التعمق والانغماس في الذات.

يجب أن نعتبرها عملية قوية وشجاعة بدلاً من ضعف أو عجز، عندما نتعلم أن نحتضن أعماقنا، نفتح أبوابًا للنمو والتحول الشخصي الذي يؤثر على حياتنا بشكل إيجابي.

من خلال التغلب على رِهاب التعمق، نفتح أنفسنا على عالم من الإمكانيات، نكتشف عواطفنا ومواهبنا ونقاط قوتنا التي ربما كانت مخبأة تحت السطح، نحن ننمي علاقات هادفة مبنية على الضعف والتواصل، بدلاً من التفاعلات السطحية، نجد السلام الداخلي والرضا عندما نقوم بمواءمة أفعالنا وخياراتنا مع قيمنا ورغباتنا الحقيقية.

لذا، دعونا لا نخاف من التعمق، دعونا لا نخاف من الخوض في أعماق أنفسنا، دعونا نستكشف أعماقنا ونتأمل في معنى وجودنا، فقط من خلال التعمق ومواجهة مخاوفنا، والتنقل عبر نقاط ضعفنا وتحطيم حواجز السطحية، يمكننا أن نجد السلام الداخلي والتوازن، يمكننا إطلاق العنان للإمكانات الحقيقية التي تكمن بداخلنا، فَـلنتجاوز رِهاب التعمق ولنسعَ لأعماقنا، حيث يكمن الحقيقي والأصيل لنا.

زر الذهاب إلى الأعلى