أخبار مصر

رأس الحكمة.. بين السطور

وقت النشر : 2024/02/29 10:03:58 AM

رأس الحكمة.. بين السطور 

بقلم: المستشارة/ رحاب نادي عسران 

تعتبر حرية النشاط الاقتصادي هي الأصل الفطريّ للإنسانية، ولكن دائما ما تأتي أزمات الاقتصاد الحر من الممارسات النفعية الضارة، خاصة في القطاع المالي، الذى كان سبب أزمة النمور الآسيوية 1997، وأزمة أرهنّ العقاري الأمريكية 2008، وغيرها من الأزمات، ودائما ما كان العلاج يتمثل في تدخل الدول بضخ استثمارات حكومية تحفز النمو وتخلق فرص عمل “طبقا للنموذج الكينزي”، وهو ما قامت به دول النمور وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، ولمً تتبع تلك الدول الوصفة الليبرالية بترك السوق تصحح نفسها، ولكنها تدخلت تدخل محسوب حتى تم تجاوز تلك الأزمات.

وفي مصر، وبعد سنوات من التردد الاقتصادي المرتبط بالاضطرابات السياسية بعد يناير 2011، كل الحل هو “النموذج الكينزي”،والذي من خلاله قامت الدولة بتنفيذ استثمارات حكومية هائلة نجحت في تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وخلق فرص عمل انخفض بها مؤشر البطالة إلى نحو 7%، وكان من المهم أن يكون هناك جدول زمني يتراجع فيه دور الدولة لصالح القطاع الخاص باعتبار أن تدخلها كان في سبيل العلاج وليس على سبيل الاستدامة.

حيث أثبتت التجارب أن “النموذج الكينزي” لتدخل الدول هو أفضل علاج لأمراض الليبرالية الاقتصادية، لكنه لا يصلح للاستمرار بديلاً عنها.

وكان لاستمرار توسع النشاط الاقتصادي للحكومة المصرية أن تراجعت استثمارات القطاع الخاص لتصل خلال عام 2022 إلى نحو 30% مقابل 70% لاستثمارات الحكومة، مما شكل تشوه هيكلي دفع الحكومة لتبني مسار استهداف زيادة مشاركة القطاع الخاص للوصول بحجم نشاطه إلى نسبة 65% خلال 3 سنوات، وهو تصحيح مسار مرتبط بمدى زمني لأول مرة، ويمكن حال تحقيقه أن يعيد الاقتصاد للمسار السليم.

ولكن الأمر لا يخلو من تحديات، أهمها أن عدد مستثمري القطاع الخاص في مصر يعتبرون عدد محدود مقارنة بعدد السكان، كما أنه لا يوجد ما يشير إلى أن نسبة مؤثرة منهم تخطط لزيادة حجم نشاطها، في ظل طبيعة نفسية لا تفضل المخاطرة لدى كثير من المصريين الذين يقدسون الدولة المركزية ويفضلون العمل من خلالها، وهو الأمر الذي يحتاج إلى برامج تستهدف شرائح محددة من المستثمرين والتواصل معها وتحفيزها وتأهيلها لزيادة نشاطها الاقتصادي، ودفعها لتحل محل الدولة في أكبر نسبة من النشاط الاقتصادي، على أن تتولى تلك الشرائح الدور الأكبر لجذب مستثمرين أجانب والشراكة معهم، وهنا يأتي السؤال:

-هل كان الحل لبدء المسار الاقتصادي السليم في “رأس الحكمة”؟!!!

حيث أنه من المتوقع من هذه الصفقة أن تكون بدء المعالجة للتشوه في سعر الصرف، والذى يعد السبب الأساسي في حالة التضخم واضطراب الأسواق المحلية، من خلال نزول سعر الدولار مقابل العملة المحلية “الجنيه”، وعليه فمن المفترض أن تخلي المواني من البضائع المتراكمة، ويستطيع المستورد أن يستورد بضاعته واستلامها فور الوصول، استقرار الأسعار من غير زيادات جنونية، إعادة تحويلات العاملين بالخارج من العملات الأجنبية في الجهاز المصرفي، الذي تراجع وبشكل كبير خلال العامين الماضيين بسبب الفارق الكبير بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق الموازي، وإن لم تحقق تلك الصفقة جزء من تلك الأهداف فهذا يعني أننا ندور في دائرة مفرغة!

وإجمالًا، فإن خلق دوائر من النشاط الاقتصادي المحلي الذي لا يعتمد على المكون الأجنبي بنسبة كبيرة، يمكن أن يكون المسار لتعزيز قيمة الجنيه عبر زيادة فرص تداوله كأداة وفاء من أجل الحصول على ما يتم تقديمه من سلع وخدمات، ما يعني إعادة الإنتاج التي سوف تخلق فرص العمل وتمتص العمالة التي واجهت البطالة في الآونة الأخيرة، حتى لو تعارضت تلك الرغبات مع التوجهات الاستراتيجية كإطار استثنائي مؤقت يقود نحو نشاط اقتصادي محلي وعاجل يحرك الاقتصاد إلى أن يعاود السير فى مساراته الاستراتيجية.

زر الذهاب إلى الأعلى