مقالات متنوعة

لماذا لم يستطع أبرهة الحبشي هدم الكعبة !؟

وقت النشر : 2021/10/18 05:11:33 PM

لماذا لم يستطع أبرهة الحبشي هدم الكعبة !؟

إعداد .. تامر الباجوري 

إن الله سبحانه وتعالى انزل سورة من القرآن الكريم باسم الفيل سجَّل الله فيها أروع تسجيل في أوجز عبارة وأوضح أسلوب، قصة الفيل الذي خرج به أصحابه يريدون هدم الكعبة بيت الله الحرام، فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيَّب سعيهم، وأضل أعمالهم، قال تعالى:

 «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول».

وكان حادث الفيل عام ولادته صلى الله عليه وسلم على الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم، قال الحافظ الدمياطي في سيرته: «كان بين الفيل وبين مولد النبي صلى الله عليه وسلم خمس وخمسون ليلة».

وكان إهلاك أصحاب الفيل تشريفاً له صلى الله عليه وسلم ولبلده، قال الحافظ ابن كثير: «كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام وُلد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء.

ولأن الكعبة كان بها ثلاث مائة وستون صنما بجانبها وفوقها وبداخلها ولم يكن  دينهم أفضل من دين ابرهة الحبشي حيث انهم كانوا يعبدون الاصنام ولكن ابرهة كان يعتنق النصرانية  إلا أن الذي سوف يهدم هذه الأصنام لم يولد بعد وهو النبي محمد صل الله عليه وسلم 

كانت دولة اليمن تابعة لملك الحبشة و الذي كان يدعى بالنجاشي، وقام والي اليمن (أبرهة) ببناء كنيسة عظيمة و كبيرة، و أراد أبرهة من ذلك أن يغيّر وجهة حجّ العرب. فيجعلهم يحجّون إلى هذه الكنيسة بدلا من أن يؤدوا مناسك الحج في بيت الله الحرام كتب أبرهة إلى النجاشي إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن أحدا مثلها لملك قبل ، و أنا لست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب .

رفض العرب ذلك وأخذتهم عزتهم بمعتقداتهم وأنسابهم المتوارثة. فهم أبناء إسماعيل و ابراهيم، فكيف يتركون البيت الذي بناه آباءهم ويحجّوا لكنيسة قام ببنائها شخص نصراني و من شدة رفضهم لذلك قيل أن رجلا من العرب ذهب وأحدث في الكنيسة تحقيرا لشأنها فعزم أبرهة حينها على هدم الكعبة ، و جهّز من أجل ذلك جيشا جرارا، ووضع في مقدمته فيلا مشهورا عندهم يقال أن اسمه محمود. 

فعزمت العرب حينها على أن تقاتل أبرهة. وكان أول من خرج للقائه، رجل من أشراف  اليمن يقال له ذو نفر. دعى قومه فأجابوا نداءه، و التحموا بجيش أبرهة. لكنه هُزِم وسيق أسيرا إلى أبرهة خرج بعد ذلك نفيل بن حبيب الخثعمي، و قام بمحاربة أبرهة. فهزمهم أبرهة وأُخِذَ نفيل أسيرا، وصار دليلا لجيش أبرهة. حتى وصلوا للطائف،.

فخرج رجال من ثقيف، وقالوا لأبرهة أن الكعبة موجودة في مكة حتى لا يهدم بيت اللات الذي بنوه في الطائف وأرسلوا مع الجيش رجلا منهم ليدلّهم على الكعبة! وكان اسم الرجل أبو رغال. توفي في الطريق ودفن فيها، وصار قبره مرجما عند العرب. فقال الشاعر:

 وأرجم قبره في كل عام  .. .. كرجم الناس قبر أبي رغال 

وفي مكان يسمى المغمس بين الطائف ومكة، أرسل أبرهة كتيبة من جنده، ساقت له أموال قريش وغيرها من القبائل. وكان من بين هذه الأموال مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، كبير قريش وسيّدها. فهمّت قريش وكنانة وهذيل وغيرهم على قتال أبرهة.

 ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فاستسلموا و تركوا ذلك وبعث أبرهة رسولا إلى مكة يسأل عن سيد هذا البلد ، ويبلغه أن الملك لم يأت لحربهم وإنما جاء لهدم هذا البيت, فإن لم يتعرضوا له فلا حاجة له في دمائهم! فإذا كان سيد البلد لا يريد الحرب جاء به إلى الملك. فلما أخب الرسول عبد المطلب برسالة الملك، أجابه: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة. هذا بيت الله الحرام. وبيت خليله إبراهيم عليه السلام.. فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه, وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه. 

قصة أبرهة مع عبد المطلب

انطلق بعد ذلك عبد المطلب مع الرسول لمحادثة أبرهة. وكان عبد المطلب من أكثر الناس جمالاً ووسامةً و عظمة. فلما رآه أبرهة أعظمه و أكرمه ، و قال لترجمانه: قل له: ما حاجتك؟ فأجاب : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال ذلك, قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني  وهبتك حين رأيتك, ثم قد زهدت فيك حين كلمتني! أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك وأجدادك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه ؟ قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل. وإن للبيت رب سيمنعه. فاستكبر أبرهة وقال: ما كان ليمتنع مني. قال: أنت وذاك!.. فردّ أبرهة على عبد المطلب إبله عاد عبد المطلب حينها إلى قريش وأخبرهم بما حدث معه، وأمرهم بأن يخرجوا من مكة و يمكثوا في الجبال المحيطة بها. ثم توجه مع رجال من قبيلة قريش إلى الكعبة وأمسك حلقة بابها، وقاموا يدعون الله ويستنصرونه.

فلمّا انصرف عبد المطَّلب من عند أبرهة جمع وُلده و من معه ، ثمّ جاء إلى باب الكعبة ، فتعلّق به و قال :

لا هم انّ العبد يمنع رحْلَهُ فامنع رحالك

لا يغلبـنَّ صليبهـم و محالهم أبـدا محـالك

هم جردوا لك جمعهم والفيل ليسبوا عيالك

إن كنت تاركهم وكعبتنا … فأمر ما بدا لك

ومن عجيب أمر الفيل في هذه القصة أن أبرهة الأشرم كما ذكر ابن إسحاق  لمَّا أصبح تهيأ لدخول مكة، وهيأ فِيله، وعبَّأ جيشه، وكان اسم الفيل محموداً، وأبرهة مُجْمعٌ لِهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن، فلما وجَّهوا الفيل إلى مكة، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي، حتى قام إلى جنب الفيل، ثم أخذ بأُذنه، فقال: ابْرُكْ محمودا، أو ارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام، فَبَرَك الفيل…

وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبَى، فضربوا في رأسه بالفأس- ليقوم فأبَى، فأدخلوا مَحاجِن -عصا معوجة قد يوضع في طرفها حديد- لهم في مَرَاقِّه -أسفل بطنه – فبزغوه بها – أَدْمَوْهُ – ليقوم فأبَى، فوجَّهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول، ووجَّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجَّهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك..

ووجَّهوه إلى مكة فبرك، فأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبَلَسَان – ضربان من الطير – مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحُمّص والعدس، لا تُصيب منهم أحداً إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤوا، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:

أين المفر والإله الطالب

والأشرم المغلوب ليس الغالب 

حمدت الله إذ أبصرت طيرا

وخفت حجارة تلقى علينا 

فكل القوم يسأل عن نفيـل

كأن علي للحبشان دينـا 

وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يتساقط لحمه قطعا صغيرة تلو الأخرى، حتى وصلوا إلى صنعاء, فما مات حتى انشق صدره عن قلبه كما يقال

 

زر الذهاب إلى الأعلى