أدبي

الصديق اللدود

وقت النشر : 2022/01/09 01:27:02 AM

الصديق اللدود

قصة قصيرة

بقلم: إبراهيم بن عمر

الجزء الأول

لم أدرك حجم حالتي الحرجة إلا حينما استعدت وعيي بعد العملية في غرفة العناية الفائقة.

أنابيب اتصلت بفمي، وأخرى بصدري، وأنبوب خرج من شق في بطني، ضجيج ساعة الحياة المتصلة بي وهو يرن مع دقات قلبي سبب لي ألما مضاعفا، لأول مرة أفهم معنى( إن الحياة دقائق وثوان)

ببطء أغمضت عيني وسالت دمعة شديدة الملوحة أحرقت خدي وغصّت حنجرتي بالكلمات، أشعر وكأن روحي تجمعت في حلقي كأني ابتعلت شوكا، تجمعت الذكريات كقنفذ داخل عنقي، وهُنا، لا مغيث سوى رحمة الله

فهل من جرعة ماء؟!

رنَّ صوت والدي”الحمد لله على سلامتك” عندها أدركت حجم الألم الذي سببته له، كنت أريد الاعتذار له وتقبيل قدميه، ولكنني لم أستطع التحرك.

الذكريات أبت إلا أن تعود لتخبرني كم كنت ساذجًا.. وإليكم ما حدث تلك الليلة

– أبو سامي: لماذا تأخرت بالعودة إلى المنزل، أين كنت؟

– سامي “متلعثماً”: ک.. كنت …..

– أبو سامي: بصحبة سمير؟

– سامي”مطرقاً رأسه”: أجل

– أبو سامي: ألم أقل لك ابعد عنه، لماذا لا تسمع الكلام؟

– سامي: هذه حياتي، وقلت لك من قبل دعني أعيشها بطريقتي، هل كنت تُطيع جدي بكل ما يقوله لك؟! ألم تخالفه وتتزوج من أمي؟! هل نَقص منك عضو لأنك لم تستمع له؟ أم أنك عِشتَ حياة سعيدة، وحتى هذه اللحظة تتحسر وتبكي كلما تذكرت أمي عليها “رحمة الله”؟!

– أبو سامي: بُني، لا يمكنك مقارنة اختياري

باختيارك، لم يرفض جدك أمك زوجة لي بسبب سمعة سيئة أو شيء مخالف للعادة، فقط لأنه يريد ابنة أخيه زوجة لي وأنا لا أحبها.

– سامي: لماذا لا تريد صحبة سمير؟

– أبو سامي: لأنه شاب أحمق، عاطل عن العمل، ولا يجيد سوى اللهو مع بنات الليل والمقامرة

– سامي: لقد تاب الله عليه.

– أبو سامي: بُني، إنه يصاحبك لأجل المال الذي ورثته عن أمك، وأخشى عليك منه.

بُني، الصاحب ساحب، فاعرف أين تُسحب!

– سامي: أنا لستُ طفلًا، وأعلم جيدا ما أفعله

– أبو سامي: بل أنت طفل، وإذا كنت مصرًا على مصاحبة ذلك الفاشل عليك أن تنسى أن لك أبًا وبيتًا، لا أريد رؤيتك أبدًا، اغرب عن وجهي.

– سامي: سأذهب والأيام بيننا، سأثبت لك أني لست فاشلًا، وأعرف جيدًا ما أفعل

– أبو سامي يكلم نفسه بعد أن غادر سامي المنزل: ما هكذا ربيتك يا ولدي، يا رب اهده للطريق المستقيم.

في بارٍ على أطراف المدينة، كان يجلس سامي وسمير، وهذه المرة الأولى التي يدخل فيها سامي البار، روى لسمير ما حدث بينه وبين والده، عندها سُر سمير، ولكنه لم يُظهر ذلك.

قال سامي لسمير: رأسي يؤلمني بشدة، إنه يكاد أن ينفجر، ماذا أفعل؟!

أشار سمير للنادل وطلب منه إحضار زجاجة “ويسكي” استنكر سامي طلب سمير، ولكن سمير قال له لم أطلبها لنفسي بل لك، أنا لم أعد أشربها، ولكنها تخفف عنك الوجع وتنسيك ما فعله والدك بك، يا له من أب قاسٍ وظالم! إنه دائمًا يراك طفلًا، ما هكذا يعامل الآباء أبناءهم.

وقف سامي غاضبًا وهمّ بمغادرة البار وهو يتمتم بغضب: كان والدي على حق أنت شيطان.

لحق سمير بسامي وأقسم له أغلظ الأيمان أنه لن يكرر هكذا طلب، وأنها ساعة شيطان.

لم ينصت سامي لسمير وخرج من البار وأقسم ألا يعود إليه أبدًا.

عاد سمير إلى منزله خائبًا محطمًا، رمى نفسه على سريره وراح يحدث نفسه:

– لقد خسرتُ الحرب من أول معركة، كم أنا غبي! كيف أعرض عليه الخمر بدون مقدمات، ماذا سأفعل غدًا؟! لم يبق الكثير، يجب أن أسدد القرض للمُرابية العجوز وإلا ستكون نهايتي وخيمة، أأعترف له وأطلب منه المال؟

– أيها الأحمق، أتريد أن تثير شفقته عليك ويرمي لك الفتات؟! نحن لا نريد الفُتات بل كل ما يملك، أنسيت العهد الذي قطعته على نفسك،

ألم تقسم أن تجعله يتسول كسرة الخبز؟

– لم أنس، ولكنني لم أتوقع أن المهمة بتلك الصعوبة، ماذا عليّ أن أفعل، أنا عاجز تمامًا

وجسدي مخدَّر، لقد حان موعد حقنة الهيروين

ولم يبق عندي إلا القليل منه.

– اذهب وخذ جُرعتك المعتادة وسوف تجد حلًا، أنا واثق من ذلك.

كان سامي جالسًا في حديقة عامة يعيد حساباته ويفكر بطريقة تجعل والده يرضى عنه، ولكنه بذات الوقت لا يريد أن يظهر بموقف ضعيف أمامه، وبينما هو سارح بخياله ظهرت أمامه فتاة لم يُخلق بجمالها قط؛ ممشوقة القوام، واسعة العينين، بيضاء البشرة، شعرها أشقر، زُرقٌ عيناها، ظريفٌ مبسمها، يُخيل للناظر إليها أنها حورية هبطت إلى الارض صدفة، كانت تتمايل بمشيتها مقبلة على سامي، جلست جانبه دون أن تعيره أي انتباه، وسامي ينظر إليها نظرةَ من وجد أمه بعد أن تاه عنها، لم يكن يرى أحدًا سواها، وكأن جمال الكون كله اندمج ليشكل تلك اللوحة الفنية الفريدة، لم يصدق أنها جلست بجانبه، مدت يدها بتحية وقالت: أنا سمر.

من شدة دهشته لم يعِ ما قالت، وبقي مصدومًا فاتحًا فمه، ضحكت بغنج وقالت: ما بك، ألا تسمعني؟!

سامي: آسف. ورد التحية معرِّفًا بنفسه:

أنا سامي

دار بينهما حديث كأي حديث بين اثنين تعرفا للتو.

عاد سامي إلى منزله وهو يدندن “زيدني عشقًا زيدني” كان ثملًا بدون أن يشرب، دخل إلى البيت راقصًا، وظل يرقص ويقفز حتى نام من شدة التعب وهو يردد: اطلع أيها الصبح فقد طال الليل، اطلع أيها الصبح، سأرى محبوبة قلبي غدًا.

انجلى الليل أخيرًا، واستيقظ على غير عادته نشيطًا، تناول كوب القهوة مستمتعًا بكل رشفة،

وراح يتساءل: متى يحين وقت الغداء، هل ستأتي كما وعدتني البارحة؟

حتمًا ستأتي، هكذا يخبرني قلبي ولم يكذب ضعليَّ قط.

في مطعم المدينة على أنغام أغنية(خوليو اكليسياس)كانا يجلسان كعصافير الحب

خُيل لسامي أن كل رجال الأرض يحسدونه عليها، وأن كل العيون تراقبه، لكنه لم يدع تلك التخيلات تنزع عليه فرحته، أمسك يدها وراح يردد: “أيا امرأة تمسك القلب بين يديها

سألتك بالله لا تتركيني.. لا تتركيني

فما أكون أنا، إذا لم تكوني

أحبك جدًا وجدًا وجدًا

وأرفض من نار حبكِ أن أستقيلا

وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيلا

وما همني، إن خرجت من الحب حيا

وما همني، إن خرجت قتيلا”

انتهى الغداء بوقت العشاء، مر الوقت سريعًا كأنه لمحة بصر، تلك هي الأوقات الجميلة تنتهي قبل أن تبدأ.

استأذنت سمر للذهاب، وقبل أن تغادر دعته إلى سهرة في بار المدينة.

مر الوقت أبطأ من سلحفاة عجوز، وأخيرًا حان موعد السهرة المنتظرة مع معشوقة الفؤاد، كان سامي يتمنى شيئًا واحدًا، وهو ألا يرى سمير في ذلك الوقت لكي لا يعكر عليه صفو سهرته. عندما دخل سامي البار، وجد سمر بانتظاره على طاولة تطل على جدول ماء وأمامها مشروبات مُسكِرة، تردد سامي بالدخول، أيدخل ويخسر دينه وما تربى عليه، أم يخرج ويخسر أول امرأة أحبها بهذا الشكل المجنوني؟!

وبغمزة من عينها الكحيلة دخل سامي معاهدًا نفسه على أن تكون المرة الأولى والأخيرة.

يُتبع

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى