أدبي

مأساة

وقت النشر : 2022/01/09 02:31:51 AM

مأساة

قصة قصيرة

بقلم: شيماء كساب

“لا أتمنى من الله سوى ولد صالح، ويرزقه الله بري” قالتها سناء لزميلتها فاطمة التي كان أول يوم لها بالعمل في دار المسنين حين سألتها عن قصة ذلك العجوز الذي نأى بجانبه عن الكون واختار ذلك المقعد المنزوي بعيدا عن الأنظار ولا يفعل شيئا سوى النظر فيما بين يديه، فقالت فاطمة: جميعنا نريد ذلك الولد، ولكن هذه سمة كل أبناء قاطني دور المسنين، يعقون آباءهم. فقاطعتها سناء قائلة: ولكن هناك تفاوت في العقوق، واستطردت: صدقيني، لم أجد مثل ابن ذلك الرجل، لم أرَ في قساوته حتى الآن أحدا. فردت فاطمة: هل لي أن أعرف حكايته؟ قد قتلني فضولي، وما هذا الذي يحدق به في يديه؟

 تنهدت سناء ثم قالت: يمسك بين يديه رفيقة دربه، شريكة حياته، نصف عمره وذكريات

حياته كلها في تلك الصورة، صورة تجمعه هو وزوجته وابنهما الوحيد الذي جاهدا وتغربا من

أجل توفير كل سبل الراحة التي يحتاجها، وبدأت المأساة حين تزوج من ابنة مديره،

وحتى يرضيها، باع منزل أبويه مستغلا حبهما، وما كانا يملكان من أرض زراعية لا تذكر حتى يلبي لها جميع مطالبها والتي كانت تفوق

قدرته المادية حينها، وحين حقق لها مرادها وباع كل ما يملك والداه، ما كان من الصعب

أن ينفذ لها أيضا ذلك الطلب الصغير في أن يتخلى عن أبويه، فجاء بهما إلى هنا في ليلة

ممطرة متحججا بأنه يريد أن يبني حياته الخاصة.

لم ينظر وراءه، ولم يرَ دموع قلبيهما التي لا تقل عن زخات المطر في ليلة مثل تلك، رياحها عاتية خلعت جذور محبته من داخل أرواحهما مودعينه للأبد.

فسألتها فاطمة: ولكني أرى الرجل جالسا وحده، أين زوجته؟

ردت سناء وعيناها لمعت من دمعة تستحي النزول: توفيت منذ ثلاثة أسابيع، والرجل من يومها على حالته تلك، ورغم أنه مصاب

بالزهايمر إلا أنه رافض نسيانها ويأخذها معه في كل مكان بين يديه حتى يتذكرها دائما،

لقد نسي الرجل ما فعله ابنه بهما، ولكن لم ينسه، فدائما يسأل عنه.

صدقتِ أخت سناء، ما نريده حقا أن يرزقنا الله بولد صالح، وماذا عن ذلك الابن الجاحد، ألم يسأل عنهما مرة أخرى؟

لم يسأل فاطمة، وحين تواصلنا مع الرقم الذي تركه حتى إذا حدث مكروه نحدثه، كان رد

المتحدث صدمة لنا جميعا، قال: قد توفي الابن في حادث سيارة ومعه زوجته بعدما

أرسل أبويه بعدة أيام، ومن يومها وقلوبهما مكلومة من ولدهما وعليه.

ردت فاطمة وقد امتلأت عيناها بالدموع تردد: وراء كل صورة حكاية، ووراء كل حكاية وجع، ووراء كل وجع ابن عاق لا يستحق الحياة عزيزتي.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى