مقالات متنوعة

أمهات الشوارع

وقت النشر : 2022/01/26 04:13:18 AM

غادة محفوظ
حينما شرعت في الحديث عن هذه القضية .. أثار حفيظتي هذا المصطلح ” أمهات الشوارع ” ، فلم يكن في الحسبان أن أطفال الشوارع الذين كنا نتحدث عنهم دوما سيكبرون ويصبحوا أمهات شوارع .

فتيات في عمر الزهور أجبرتهن قوانين الرصيف على الأمومة في سن الطفولة، وفجأة .. وجدن أنفسهن بين لحظة وضحاها يفترشن الأرض ويلتحفن السماء ، وأصبحن تحت طائلة قانون لا يعرف الرحمة ألا وهو قانون الشارع أسفل إحدى الكباري أو أمام أحد المساجد أو داخل بقايا سيارة في شارع مظلم .

تأوي فتيات الشوارع إلى هذه الأماكن هربا من جحيم أب قاس أو زوج أم متحرش أو فقر استشرى في عائلة بأكملها حتى أكل أخضرها ويابسها ، أو صراع بين أبوين تقطعت كل أوصال المعروف بينهما ، لتجد الشارع فاتحا ذراعيه بكل ترحاب فتكون كالمستجير من الرمضاء بالنار ، فتهيئ المسكينة نفسها لعالم جديد ، عالم مكتوب على بابه ” إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب” ، فتمسح الفتاة بيديها – طواعية واختيارا – أحلام الطفولة ، وما تلبث إلا قليلا لتجد عذرية ضفائرها ذهبت أدراج الرياح ، بعد أن أوهمها الشارع بخصوصية زائفة زالت بعد أن تحركت بأحشائها نطفة – قد لا تعلم صاحبها – ليزداد طين الفتاة بلة ، ويضاف لها لقب جديد وهو ” أم” ، ليستقبل الشارع وافدا جديدا وُلٍد من رحم الخطيئة لا تعلم عنه الحكومة شيئا ليقف في صف طويل من أطفال الشوارع المشردين بل يكون هذا الجيل الجديد أسوأ حظا ممن سبقوه ، فالسابقون قد فروا من بيوتهم إلى الشارع ، بينما وليد الرصيف الحالي لم يترك له القدر رفاهية الاختيار، لينتظر الواحد منهم تلو الآخر دوره في صفعة المجتمع التي حتما ستودي به إلى ما لا يحمد عقباه بعد أن تسلبه أبسط حقوقه ألا وهو حق الحياة الآمنة المطمئنة.
من بين هؤلاء الأطفال من يظل مع أمه ومنهم من يتم استئجاره للتسول ، ومنهم من يتم بيعه لأسر حرمت من الإنجاب ( وهو أوفرهم حظا نظرا لاستخراج أهله الجدد شهادة ميلاد له بالإضافة لتوفير حياة كريمة في بيئة نقية ) ، ولكن يظل طفل الرصيف مجهول النسب بسبب هروب الأب فور علمه بالحمل والحجة دائما ” أضمن منين انه ابني … ما جايز يكون ابن حد تاني ” وبالتالي .. لا توجد شهادة ميلاد للطفل ، وهو ما يجعلهم غير محسوبين على الدولة ، وتشير الدراسات إلى أن هؤلاء الأطفال دائما ما يُدفع بهم كوقود للمظاهرات ويتم استخدامهم في بعض الأعمال الإرهابية ، وثبت استخدام بعض أطفال الشوارع في حرق أقسام الشرطة خلال ثورة يناير .وكانوا أداة فى عصر الإخوان المتاسلمين عفوا أرفض كلمة المسلمين..وسنتناول هذا الموضوع بالتفصيل فى مقالة اخرى

لكن..تتأقلم بعض الفتيات على الشارع وخاصة إذا كانت تحظى بمقابل مادي يثير لعابها ، ويحدث هذا في المواسم – على حد تعبير إحداهن – ، فتوافد العرب في الأجازات والعطلات موسما ذهبيا لمن تبحث عن المال من فتيات الشوارع ، ( والكلام على لسان إحدى الفتيات )، ففي نهاية اليوم قد تحصل على 2000 جنيه – هذا في حالة عدم وجود سمسار أو وسيط – ، وليس بالضرورة معرفة هوية من يدفع ، المهم أن تأخذ أكبر قدر ممكن من النقود مقابل أي طلب يطلبه ( الزبون ) .

زر الذهاب إلى الأعلى