قوة الإرادة
بقلم: شيماء عبد المقصود
وانصرفت في ذاك اليوم، قاصدةً أن ألتمس لنفسي عذرًا، أو أن أشفق عليها من سياق محاصرتها بمصاعب وأدت همتها وإرادتها،
فأصبحت واهنة القوى، جاهلةً لمسلكٍ يسلكها سبيل راحتها.
أخذتني قدماي إلى ركبٍ قضيت فيه وقتًا أشبه بمشفى الروح، مقسم لمقاعد،
تجلس على إحداها طفلة ملائكية الوصف، ترتسم على محياها ابتسامة لها صلة وثيقة بشمس النهار في يومٍ قارص البرودة،
عيناها تحمل جمالا لا يقل عن جمال ابتسامتها.
وُهبَ الملائكة جمال رباني، إلى جانب وصفهم بطبع الكرام، فكأنها معتادة عليه،
مدت يدها بحقيبة والدتها المستغرقة بالنوم، وإذا بها تُخرج علبة حلوى ووزعت على كل الجالسين،
وعندما جاء دوري تدللت عليها قليلًا؛ كي تقترب مني، لا أدري لم فعلت هذا،
لكنَّ شيئا ما في ملامحها جذبني منذ وهلتها، ووعدتها أن آخذ منها، لكن يجب أن تستأذن أمها أولا.
تفهمت رفضي، وبالطبع اندفعت وهي تصحبُها ابتسامة، كأنها تقول لي أضمن لكِ أن أمي لم ولن ترفض إعطاءك إياها.
وفجأة، وعلى غير توقع، ارتطمت رجلها بإحدى المقاعد،
فخانتها قوتها، فارتمت على الأرض، لكنَّ العجب العجاب، أنّها لم تخنها عزيمتها كمحارب جسور لا يتخلله يأس
الهزيمة وقلة الإيمان حين انفلتت من على رأسها الطاقية الصوف، وانتزعت معها شاهدا ليس بمصدر قوةٍ في قضيتها،
بقدر ما هو دليل على ثبات إرادتها، ألا وهو شعر مستعار، فسرعان ما بسطت لها يديّ كي أساعدها،
فإذا بها تمد يدها أولا ً لذاك الشعر، وتضعه على رأسها بشكلٍ تلقائي،
ويكأن هذا الموقف كثيرًا ما تعرضت له، فلم تصدر عنها أية ردة فعلٍ توحي بأنَّ ذاك الشيء غير الطبيعي سيحسن صورتها في نظر الجالسين، بل على العكس
انسجم الجميع لفعلها العفوي، وشاركوها في معركتها بأسلحةٍ آدميةٍ، وأصدق الوصف لهذا الموقف خاصةً بعدما تعاطف الجميع معها على قلب رجلٍ واحد،
كأنها سكبت علينا جميعًا من روحها الملائكية إحساسا ذا كفتين؛ كفة تميلُ بضعفٍ النفس لذروةٍ لا يُحمد عقباها،
فارتدت بقوةِ الإيمان وإرادة قوية تنادي صاحبها ها أنا ذا راجحة في الكفة الأخرى.
لا أملك أن أحكم على الجميع، إن كانت قد تركت فينا ما يجعلنا نعد العدة ليومٍ كهذا، لكنها بالتأكيد وضعت يدها على جروحٍ أضمرت يومًا قوتها،
فأعطت لكلٍ منا ضمادة بسلاح النفس الراضية وقوة الإرادة.
بينما. كذلك ثم بينما بينما. كذلك ثم بينما
