أدبي

حكايات في المنفعة

وقت النشر : 2022/09/27 11:19:56 AM

حكايات في المنفعة

بقلم: مصطفى نصر

يُحكى أنّ المهاتما غاندي كان يركض بسرعةٍ ليلحق بالقطار. فسقطت إحدى نعليه أثناء صعودِه على متن القطار، فخلع الثّانية ورماها قريباً من الأولى. تعجّب أصدقاؤه لفعله وسألوه: “لماذا رميت الأخرى؟” فقال: “أردتُ للفقير الذي يجد الحذاء أن يجد النعلين كي يكون قادرًا على استخدامهما، فهو لن يستفيد إن وجد واحدة.

في نفس هذا الإطار يسعى الجميع لمبدأ المنفعة، ظنًّا منهم بأنها هي التي تؤطر الأمور. وقد ظن الشاعر السنغالي والرئيس السابق للسنغال (ليوبولد سنغور) أن الحب أيضًا يقوم على مبدأ المنفعة، فقال لحبيبته: وددت لو أشتري لك باقة من الورود، لكن الرفاق كانوا جائعين فابتعت لهم بثمنها خبزاً. ليذوِّب بذلك الفوارق بين المنفعة الشخصية والمنفعة العامة في نفس المساحة الممكنة ما بين حبيبته ورفاقه، ومابين رفاهية الورد وحتمية الخبز.

وقد لخص الشاعر الرجيم (شارل بودلير) العمق في البعد والمسافة بين المنفعة والحب على لسان أمه التي تسهر الليالي حدبًا وإشفاقًا عليه. لكنها في نفس الوقت تلعن الساعة التي ولدته فيها فتقول:
آه، ليتني كنتُ قد ولدْت وكْراً كاملاً من الحيّات، ولم أكن والدة هذا المسخ دون سائر الوالدات. معلونة، ملعونة بما كان فيها من متاع عابر تلك الليلة التي فيها حملت بطني العاقر بمن كان ميلاده كالقصاص مني
تكفيراً عن أكبر الكبائر.

فالشاعر الرجيم يتساءل عن المنفعة حين يموت أبوه وتتزوج أمه برجل آخر. ولكي لا يعكر صفو شهر عسلها بعد أن صار على العروسين ضيفًا ثقيلا بالبيت، دفعًا به في رحلة على السفينة (بحار الجنوب) التي أقلعت من ميناء بوردو بقيادة ربان صديق حميم لزوج أمه، ميممة في المحيط شطر سيلان والهند وكلكتا. كانت هذه الرحلة رغم ظاهرها الشرير خير معين له في رحلته الشعرية. لولا هذه الرحلة ولولا ما اكتسبه من معارف وهو يقترب من الثقافات الأخرى، لما قرأنا كل هذا الثراء لبودلير.

لذا فقد قال خير معلم للبشرية -رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم-:
“وقد يجري لك الله الخير في مجرى الشر”.

فلا يخدعوك بقولهم “خيراً تعمل، شرا تلقى”, فالخير لا يطرح في ثماره إلا الخير.

  • حكايات في المنفعة بقلم: مصطفى نصر
    حكايات في المنفعة
    بقلم: مصطفى نصر

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى