أخبار مصرمقالات متنوعة

قراءة نقدية في أسرار صناعة مقال رفيع “10-10” جدلية الشكل والمضمون “3-3”

وقت النشر : 2023/04/22 04:33:44 AM

قراءة نقدية في أسرار صناعة مقال رفيع “10-10”
جدلية الشكل والمضمون “3-3”

بقلم: مصطفى نصر

لعل من أهم العوامل التي تعطي المقال مضموناً رفيعاً أمران: أما الأول فهو التزام الكاتب بموضوعه، فالكاتب الهوائي الذي يتبنى الرأي ونقيضه مرة اشتراكياً وأخرى ليبرالياً وثالثة إسلامياً، ليأكل في كل الموائد، لا يلتصق بوجدان القارئ، ولا يكوٍّن جمهورا يتابعه وينتظر ظهور مقالاته بلهفة، لأن الكاتب الملتزم المحبوب من جمهوره، هو الذي يشارك الناس همومهم الاجتماعية والسياسية ومواقفهم الوطنية، والوقوف بحزم لمواجهة ما يتطلّبه ذلك إلى حدّ إنكار الذات في سبيل ما التزم به.

ويقوم الالتزام في الدرجة الأولى على الموقف الذي يتّخذه المفكّر أو الأديب أو الفنان فيها، وهذا الموقف يقتضي صراحة ووضوحا وإخلاصا وصدقا واستعدادا منه لأن يحافظ على القضية دائمًا ويتحمّل كامل التبعة التي يترتّب على هذا الالتزام حتى ولو أدى به الأمر للاعتقال أو حد التعذيب أو قطع لسانه كما يقولون “من لقاليقه”.

لذا فإن الالتزام كما ورد في معجم مصطلحات الأدب “1” : ” هو اعتبار الكاتب فنّه وسيلة لخدمة فكرة معيّنة عن الانسان، لا لمجرّد تسلية، غرضها الوحيد المتعة والجمال” وقد جاء في الآية الكريمة: ” وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها””2″ أي أنهم قد التصقوا بما التزموا به من القضايا حتى صاروا أهلاً وأقارب من الدم لها، ولا يكون ذلك متحققًا إلا بإيمانه هو أولاً وقبل الآخرين بالفكرة، ومن المستعدين للتضحية من أجلها.

وانطلاقا من هذ الفهم يرى سارتر “3” ولا بدّ أن يكون الكاتب مقتنعا به “أي موضوعه” عميق اقتناع، حتى قبل أن يتناول القلم، وأن عليه بالفعل، أن يشعر بمدى مسؤوليته، وهو مسؤول عن كلّ شيء، عن الحروب الخاسرة أو الرابحة، عن التمرّد والقمع، إنّه متواطئ مع المضطهدين إذا لم يكن الحليف الطبيعي للمضطّهدين ” في إشارة للدور الكبير الذي يضطلع به كاتب الرأي في مصير المجتمعات، فهو “4” مسؤول عن الحرية، وعن الاستعمار، وعن التطوّر، وكذلك عن التخلف، فكاتب الرأي قائد بقلمه يبرز هدف الالتزام في جدّة الكشف عن الواقع، ومحاولة تغييره، بما يتطابق مع الخير والحقّ والعدل عن طريق الكلمة التي تسري بين الناس فتفعل فيهم على نحو ما تفعل الخميرة في العجين.
ومن الأمانة يجب أن نذكر أنه رغم حفاوة الكثير من الكتاب والصحفيين بمبدأ الالتزام والمصادمة في الكتابة، إلا أن كثيرين أيضاً رأوا ضرورة الاعتدال في الرأي لأن الالتزام يقود للوقوع في حضن السياسة، والصدام مع السلطات الحاكمة، وممن طالبوا بالاعتدال توفيق الحكيم وطه حسين وزكي نجيب محمود وغيرهم “5”.
والموضوع الأخير الذي يجب أن يركز عليه الكاتب هو عنوان المقال اللافت للأنظار، فالعنوان: يجب أن يُراعي عنوان المقال أو ما يُسمّى بالرّأسية، بحيث يشد انتباه القارئ، وأن يكون دالّاً على المُحتوى، ولكي يقرأ الناس موضوعك اجعل عنوان مقالك يعبر عن فائدة واضحة ومباشرة يمكن الحصول عليها بعد قراءة المقال وبطريقة سهلة وبسيطة، فمثلا العنوان: “أفضل الجامعات التي تغطي منح مجانية – أو خمس فوائد لصحة جهازك الهضمي – تعرف على طريقة مبسطة لتصميم موقعك الإلكتروني – عشر مواقع تحسن مستوى دخلك الشهري” هذه عناوين جاذبة قد تؤدي للالتفات لما تكتب، لذا يرى أستاذنا رئيس التحرير د. عماد حمدان “6” أن العنوان يجب أن يكتب بتمهل بعد انتهاء المقال، فأنت مثلا عندما تجعل عنوان مقالك جديدا وطريفا ومركبا من عدة فوائد مثل الصوم الصحي المؤدي لكسب الكثير من الثواب تلفت أنظار الناس لمقالك بدلا من العنوان التقليدي الصوم وفوائده، فهناك آلاف العناوين التي تتحدث عن فوائد معينة يمكن الحصول عليها بقراءتك للمقال، لذلك سوف تجد الكثير من مستخدمي الإنترنت ينجذبون أكثر للمقالات، التي تتناول فائدة كبيرة يمكن الحصول عليها بمجهود قليل.

——————

“1” أحمد أبو حاقة-الالتزام في الشعر العربي، ص 14 – ط دار العلم للملايين ، بيروت ، 1979.
“2” سورة الفتح آية 26.
“3” جون بول سارتر -الأدب الملتزم، ص: 44 – 45 ترجمة جورج طرابيشي، منشورات دار الآداب، بيروت، ط2 ، 1967 .
“4” رئيف خوري ، الأدب المسؤول، ص “48, 49” دار الآداب بيروت، ط1 1968.
“5” انظر مثلا توفيق الحكيم- فن الأدب- ص “43,44” المطبعة النموذجية القاهرة ط1 عام 1976 – وطه حسين -خصام ونقد ص “44,45” ط دار الثقافة بيروت 1955
“6” د. عماد حمدان، محاضرات الصحفي الشامل – فيديو رقم “2” أرشيف الصحيفة بالتلغرام.

زر الذهاب إلى الأعلى