أخبار مصر

من وحي مقال “شواغل الحاضر”

"الفصول" لعباس محمود العقاد

وقت النشر : 2023/05/18 05:59:39 AM

من وحي مقال “شواغل الحاضر”

“الفصول” لعباس محمود العقاد

 

بقلم: شيماء عبدالمقصود

نرنو للحاضر بعين المُتلهف، ومن وقتٍ لأخر نُطلُّ عليه طلَّة الراغبُ في الوصول لمحطة النهاية بسرعة البرق.

اعتقدنا يومًا أننا لم نختر الماضي بمحض إرادتنا، إذًا فلا بد من أن نضع الحاضر نُصب أعيُننا، ومن هنا غلبتنا مُغريات حجبت عنَّا نور سكينة النفس، حتى كدنا نتخبط يمينًا ويسارًا بين رغبات عقيمة لا تؤدي إلى غاية هادفة وبين مستقبلٍ مجهولٌ عوالمهُ لا تُسمن ولا تُغني من جوع، فبئس ذاك الاعتقاد، وسحقًا لتلك المُغريات الشيطانية!

وبالرغم من كل تلك التطلعات الدُّنيوية إلا أنني أُصرُّ أنَّه لا مناص منها، وإلا ما كان الإنسان جُبلَّ على تعمير الأرض منذ بدء الخليقة، فلك أن تتخيل لو توقف الإنسان عن تلك التطلعات كيف تتحقق أمنياته، ونجاحاته، وأهدافه، وتصوراته، وأيضًا رغباته؟

سينتهي به الحال كتلك الورقة التي ننزعها من لوحة التقويم يومًا بعد يوم، وبجهلي كنتُ أتصور أنه عند انتزاعها لا بد أن أطويها في هاوية الماضي، وبالطبع سيحلُّ محلها أخرى، سخرتُ من نفسي يومًا بتلك الفعلة بل وخالفت قانونها، فبدلاً من أن أطرحها أرضًا، رفعتها عاليًا لأقصى منزلة، وجعلتها جزءًا لا يتجزأ من ممتلكاتي الخاصة، فلربما تكون الورقة التالية هي آخر ورقة في العمر نطويها وبعدها تبدأ رحلةٌ أخرى لم تكُن في الحُسبان.

حينها سنشتهي يومًا نرجع لنتفقد حسابات كلّ تلك الأيام التي طويت في هاوية الماضي، لكن دون جدوى، ولا محال!

فالمعقول في هذه الحالة هو أننا لا ننشغل دائمًا بتداعيات الماضي وما يجلبه لنا من التأنيب المستمر على عدم وصولنا للصورة التي كان يُناشدها في صفحة الحاضر، فيأخذنا بالبحث عبثًا في مجهول المستقبل ، وبواعثه الغامضة التي تفاجئنا كل يوم بحكايات ومشاكل مختلفة، فذاك وإن كان هو أسوء حالًا منه لكنه سحر جوهره.

نعم، سحره الغامض الذي نتقبله ونقدم على تغييره إن كانت صفحته تستحق التغيير، بل والتفاني في تغييره أيضًا وإن لزم الأمر للاستغناء عن ضروريات كانت حتمًا من أهم الضروريات، فذاك لا يُعد استهزاءً بما فعلناه بالماضي، أو التقليل من شأن ما وصلنا له سابقًا، لكن لو حسبناه بمنطق العقل هو ليس أكثر من تصحيح مسار.

يقول العقاد: “شواغل الحاضر الضئيلة قادرة على أن تحجب عن بصيرة الإنسان جلال الأزل والأبد بما تهيج من عواطفه وتُبلبل من خواطره، كما تحجب الكف القريبة من العين اتساع الفضاء الذي لا نهاية له.”

العقاد
العقاد

زر الذهاب إلى الأعلى