أخبار مصر

الذكاء أم الحكمة

وقت النشر : 2023/05/24 01:40:18 PM

الذكاء أم الحكمة

بقلم: د. محمد السيد

فرقٌ شاسع وبونٌ واسع ما بين الذكاء والحكمة، فالذكاء فن فهم الأشياء، والحكمة فن التعامل مع الأشياء والاستفادة منها.

فكل حكيم ذكي، وليس بشرط كل ذكي حكيم؛ فالذكي الذي يتفرس في مَنْ أمامه ويعلم خباياه وبواطنَ أسرارِه، عند هذا الحد وفقط، هو حقق متعة عقلية ولذة ذاتية، ونحن نوجه له سؤالًا، وهو الأهم: ثم ماذا ؟!

كيف تستفيد ممن أمامك؟

كيف تستخدمه وتجتنب سلبياته؟

كيف تطوع إمكانياته لصالحك، وما يعتريه من نقص تتعامل معه بالتغاضي والتغافل والتحامل على النفس؟

هذا هو مربط الفرس وعمود الخيمة ولبنة الفهم لبناء علاقة صحيحة وصحية ونافعة ومفيدة وجاذبة بينك وبين الغير.

فآدم عليه السلام كان حكيمًا تدارك خطأه وأناب إلى ربه ففاز بأخراه ودنياه، وإبليس كان ذكيًا، ورُغم ذلك أهواه ذكاؤه غياهب اللعنات والقبح ومدارك النيران والغي.

وذلك الحوار العبقري، أروع حوار في التاريخ -أو من أروعه- ما دار بين النمرود وخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام..

كان فيه إبراهيم حكيمًا، أدار الحوار وهزم النمرود في الجدال ونزع نفسه عن مواطن المراء، وكان النمرود ذكيًا ومهزومًا، فلم يقُم لملكه قائمٌ، ولم تزل قصتُه تُتلَى للعبرة والاعتبار!

يقول عَزَّ من قائل: في سورة لقمان (الآية: ١٢):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}

{لقمان ١٢}

{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} ﴿٢٦٩ البقرة﴾

فالذي يتصف بالحكمة فإنه قد أصاب الخير الكثير والذكاء الوفير والمجد الغزير، فليس سيد القوم بالغافل؛ ولكنَّ سيدهم الفطن المتغافل، هكذا من قبلُ حكمَ العرب.

يفهم ويتعامل..

يَفهَم ويَعلَم، لا لينتقد ويجَرِّح بل ليستفِد ويهذِّب..

يَفهَم ويُصِيب الفراسة، لا ليجتنب ويعتزل، ولكن ليقترب ويحتذر..

فكلنا ذو نقص، وكلنا يعتريه العيب، وليس الشأن والأمر أن أعرف العيب أو أكتشف النقص، ولكن العظمة كل العظمة، في الحكمة وكيف تدار الأمور!

دمتم في رعاية واطمئنان..

وإلى لقاء..

الذكاء أم الحكمة

زر الذهاب إلى الأعلى