مقالات متنوعة

العبادة .. العبودية!

وقت النشر : 2023/09/11 04:38:05 AM

العبادة .. العبودية!

بقلم: فاطمة عبد العزيز محمد

إنَّ الرق من الأمور التي كانت منتشرة قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام لم يكن طرفًا أوحد فيها، ولكنه جفف منابعها، ودعا إلى تركها، لقد جاء الإسلام والعبودية شائعة ومنتشرة في أمم الأرض جميعا منذ أزمان قديمة، وتمارس بأبشع الصور.

ولا فرق عند تلك الأمم بين أن يؤخذ الرقيق في حرب مشروعة، وبين أن يؤخذ في عدوان ظالم، أو احتيال على أخذ الحر غدرًا وخيانة، وأكل ثمنه، أو أخذه في دين عجز عن أدائه، فضَيَّقَ الإسلام هذا الباب، وشدد في حرمة بيع الحر واسترقاقه.

وحصر دائرة الرق فيما أخذ عن طريق الجهاد المشروع معاملة بالمثل وردًا على الأعداء الذين يسترقون الأسرى وغيرهم من المسلمين، فجعل الإسلام لولي الأمر الخيار فيما يراه مناسبا من المن على الأسرى أوالفداء أوالاسترقاق.

وأما كلمة عبد فقد نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم وغيره فقال: “لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي”، فالعبد لا تضاف إلا لله تبارك وتعالى حفاظًا على جانب العقيدة وعلى المشاعر الإنسانية.
وأما قول بعض الناس عبدًا أو عبيدًا للون معين فلا معنى له، لأن العبيد كانوا موجودين في الآسيويين والإفريقيين والأوربيين والآمريكتين وفي مختلف الألوان والأجناس.

وكلمة عبد لفلان، فإن هذا لا يصح ولا يجوز في شريعة الإسلام إلا إذا كان كافرًا أسر في جهاد في سبيل الله كما سبق، فجنس الإنسان مكرم بأصله وحر بطبيعته كما قال الله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” سورة الإسراء 70.

ومنذ بدء الخليقة وهبوط آدم – عليه السلام – على الأرض، وحتى قيام الساعة فإن المطلوب من الإنسان في كل زمان ومكان أن يكون عبدًا لله عز وجل، فهذه هي الوظيفة التي خلق جميع البشر من أجل القيام بها مدة وجودهم على الأرض وذلك من سن البلوغ حتى نهاية الأجل: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” سورة البقرة 21.
إن الوظيفة التي لأجلها خلقنا الله، هي عبادته وحده لا شريك له، وقد أفصح تعالى عن هذا في قوله: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” سورة الذاريات 56.

وجدير بالذكر أن العبادة حق لله، فهذا الخالق العظيم له علينا حق واجب هو عبادته والتسليم له والانقياد لأمره، وهو حق استحقه بمقتضى ربوبيته وألوهيته وكماله، ولو لم تأت الرسل من عنده آمرة بعبادته لاستحق أن يعبد ويعظم لذاته لا لشئٍ زائد.

إنَّنا كلنا عبيد لله تعالى، المؤمن والكافر والطائع والعاصي فما دام يطرأ على الإنسان في حياته ما لا يستطيع أن يدفعه مع أنه يكرهه فهو مقهور، فالعبد الكافر الذي تمرد على الإيمان بالله وتمرد على تصديق الرسول وتمرد على أحكام الله فلم يعمل به، فهل يعد أن ألف التمرد يستطيع أن يتمرد على المرض إن أصابه؟ أو يستطيع التمرد على الموت إن حل بساحته؟

إذًا فالإنسان عبد رغما عنه وكلنا عبيد فيما نحن مقهورون عليه ثم لنا بعد ذلك مساحة من الاختيار، فالناس كلهم عبيد لله، وليس لهم إلا الله، ولا منجى ولا ملجأ من الله إلا إليه.

لا عبودية في الاسلام، إذ يجب أن يعبد الإنسان الله وحده، وتكون حياته كلها لله، فمن عاش مع الله، كان نومه عبادة، وطعامه عبادة، ولبسه عبادة، وترويحه عن نفسه عبادة، لأنه يروح ليستعين على هذه الشعائر، ويطعم لأجل أن يقوم للصلاة، وهكذا ينام، ويتعفف بالحلال عن الحرام، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم “أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر”.

إن الله هو الخالق الرازق، المعطي المانع، القوي القادر، بيده خزائن كل شيء، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وعلى الإنسان أن يوقن أن الناس عبيد لله يسخرهم الله كيف يشاء، فلا يكون عبدًا لمخلوق ضعيف، يرجو نفعه ويخاف ضره، يحسب أنه يستطيع أن ينفع أو يضر بذاته، فلا يعلق نفعه أو ضره بأحد من الخلق، بل يكون متوجهًا إلى الخالق العظيم، لذا يجب أن يكون الإنسان حريص على مرضاة الله وحده وتكون هذه غايته التي يسعى إليها، فلا يخضع إلا له سبحانه وتعالى.

زر الذهاب إلى الأعلى