أخبار مصر

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة الأولى

وقت النشر : 2023/11/09 05:57:39 PM

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة الأولى

بقلم: الكاتب الروائي حسن العربي

استيقظت فجأة على نسمة هواء باردة، وقد تسللت تداعب جسدي، من خلال النافذة التي تعودت أن أتركها مفتوحة على مصراعيها طوال شهور الصيف، نسمة باردة تعلن دخول خريف جديد.

حقيقة الأمر أن هذه النسمة من الهواء لا تقلقني إطلاقًا؛ فأنا أعشق هذا الوقت من السنة، بل إنني أستمتع به أكثر من أي وقت آخر.

على أية حال، فقد سحبت الغطاء الذي كان قد هرب بعيدًا تحت قدميّ، وغطيت به جسدي رغبةً مني في الغوصِ في محاولة فاشلة للعودة إلى النوم، ولكن هيهات هيهات لم يعد هناك أي جدوى من تقلبي فى الفراش ذات اليمين وذات اليسار؛ لقد طار النوم عن عيني، وعبثًا ضاعت محاولتي.

وماذا بعد كل هذا الأرق والقلق الذي أعاني منه، ويبدو أنه  لا يريد أن  يتركني؟!

ها أنا أفتح عينيّ ليوم جديد، نظرت بطرف عيني إلى شباكِ الحديقة، فوجدته هناك ينظر إليّ من بعيد، وقد رمي بعينه إلى سريري داخل غرفتي، يراقبني ويتجسس عليّ، ثم أراني أسألُ نفسي:

ترى من أرسله إليّ؟

 من أين جاء؟

لم إذًا يتابعني كل صباحٍ بعينيه حتى أقوم من فراشي؟

ينظر إليّ، ويراقبني فى حيرتي اليومية، وكأنه شاهد على معركة أفكاري المتضاربة التي أستيقظ عليها كل صباح وتدور فى أغوار عقلي، تلك المعركة التي غمست نفسي فيها منذ أن أصبحت أعيش وحيدة بين هذه الجدران التي تبدو لي مثل قفصٍ حديدي مغلق من حولي، بل كسجن أنا فيه السجين والسجان.

تركته ينظر وأنا لا أدري إلى من سينقل أخباري هذا الجاسوس!

أخرجت قدميّ من تحت الفرش، وقد أعلنتُ هزيمتي، كما أعلنها كل يوم عندما أحاول أن أهرب من يومي إلى النوم ولو لساعة أخرى، بلا جدوى. 

نزلت أتبختر كعادتي بين غروري بحسني وجمال خلقي وبين رشاقتي التي حافظت عليها رغم سن عمري التي تقدمت عنوة فى غفلتي، ورغم أنفي.

سحبت قميصي الوردي الفضفاض من على المقعد بجوار السرير وغطيت به جسدي، وتقدمت منه على استحياء، أما هو فقد كان لا يزال يقف هناك يراقبني من الخارج، وعيناه لا تتركاني دون حياء

فى خطى تترنح بين نائمة وحالمة ، توجهت إليه ، وقد بدت الدهشة فى عينيه وهو يتابعني فى خطواتي إليه، وعندما وصلت إلى قرب الشرفة توقفت كي لا ينزعج، ثم بدأنا حديثنا اليومي المعهود أحاوره ويحاورني أناظره ويناظرني، حتى رآها قادمة إليه من بعيد، ترفرف بجناحيها بين الأغصان وأوراق الشجر التي بدأت تذبل، وهنا نظر إليّ نظرةَ مودعٍ وكأنه يقول لي:

صديقتي، إنه الخريف، وقد وصلت معشوقتي، ما هي إلا ثوانٍ و يطيران معا في الأفق البعيد!

زر الذهاب إلى الأعلى