أدبيمقالات متنوعة

أنت التالي

وقت النشر : 2023/12/27 08:25:45 AM

أنت التالي

بقلم: فاطمة البسريني

في القطار، كنت تجلس إلى جانبك فتاة جميلة.

كنت تفكر أنك ستتحدث إليها بعد قليل، وأن تتعرف إليها. كنت تتأملها بينما طيف ابتسامة لئيمة يزور شفتيك بين الحين والآخر.

ما لم تتوقعه وأنت غارق في بحر أحلامك أنها ستقوم وتنزل في المحطة التالية دون أن تتمكن من توجيه ولو كلمة واحدة إليها.

نظرت حولك في يأس، وكأن القطار أصبح فارغًا للتو بذهابها.

أثار انتباهك دفتر صغير لها، نسيته على مقعدها، والذي كانت تدون عليه أشياء بين الفينة والأخرى وهي تنظر إلى الفراغ متحاشيةً النظر إلى الناس.

كانت تكتب في ذلك الدفتر الصغير وهي توجه إليك بعض النظرات الغائبة، وكأنها لا تنظر إليك.

استغربت الأمر، أخذته، وقد نال منك الفضول.

فتحته، فوجدت أنها كتبت على أول صفحة منه: (قتلته).

وكذلك الشأن في الصفحة الثانية، والثالثة: (قتلته … قتلته … قتلته …) وفي آخر صفحة قد كتبت :

 (وسأقتلك أنت أيضا)

انطلقت صفارة إنذار في دماغك، ترن بصوتٍ عالٍ، رميت بالدفتر الصغير إلى المقعد، وكأنه أحرق يدك.

تلاحقت أنفاسك وقد استولى على كيانك كله رعب شديد، وأصابك ذعر لم تشعر به في حياتك أبدًا.

لم تشعر إلا وأنت تأخذ بعضك بارتباك واضطراب كبيرين، وبسرعة كبيرة اندفعت نحو أقرب باب من أبواب القطار إليك لترمي بنفسك إلى الخارج، كمن يفر من حتفه.

لكنك لم تستوعب أنك ألقيت بنفسك خارج القطار وهو يسير بأقصى سرعته إلا لما ارتطم رأسك بالأرض فتحطمت جمجمتك وتدفق دمك خارجها حارًا، لزجًا، أعمى رؤيتك، وأنَّ أنفاسك المتسارعة بدأت تتخافت، وأنَّ دقات قلبك لم يعد لها ذلك الصوت الهادر الذي أصم أذنيك لما كنت مازلت داخل القطار، وأنَّ صدرك لم يعد يعلو وينزل بتلك السرعة الفائقة، وأنَّ جسدك كل جسدك بدأ يخمد وتتملكه برودة، كبرودة الموت.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى