أدبي

شبيه وجه

وقت النشر : 2022/10/05 08:14:32 PM

شبيه وجه

بقلم عزة النوبي

 

وعجلت اليك ربي لترضى بعدما.. ضاقت

 عليّ الأرض بما رَحُبَت.

 

هكذا رأيتني أجد السير بعد رحلة طويلة

 استمرت قرابة الأربعة عقود، قرون لا

 عقود رأيتها وعشتها أنا.

 

كنت أقبع فيها مع أسرتي المكونة من

 أبواي وأحد عشر شقيقا، أوسطهم أنا.

 

ذات صلة

أنا عابد أو عُبَد..كما كان يلقبني البعض.

 

تهت منّي في عالم يفترض أنه عالمي!

 

الكل كان ينهشني حسب رغبته، ولم أعتد

 التمرد أو الشكوى؛ كنت صامتًا إلا من

 صرخات أنين لا تنقطع بسبب حروق

 وحرائق الزمن الذى لا يكف أبداً عن

 الاشتعال الذاتي.

 

 تكونت فقاعات بالقلب ممتلئة بمادة

 تُشبه حامض الكبريتيك أو هيدروكسيد

 الصوديوم.

 

كيف تمتلئ فقاعات الجسد بمادة حارقة

 دون أن يحترق؟!

 

كنت أتألم من شدة الوجع، وكان حجم

 الفقاعات في ازدياد، وكان الجسد

 يتآكل..والروح تفيض.

 

خيل إلي أنني أقف داخل لوحة ثلاثية

 الأبعاد؛ رحلة رجوع إلى الذات.

 

 ولكن أي ذات؟!

 

لقد وجدتني أشكل أشلاء إنسان غير

 مكتملة.

 

أكثر من فقيد، أنا واحدهم قتيل.. لا

 أعرف قاتله أو جريمتي!

 

لكنني رأيتني مقتول مسجي على

 البسيطة، كانت الغربان تحوم حول

 جثتي راغبة في الاستمتاع بنهشي

 وفصل عظامي.

 

ألم تكتف بما فعلته الغربان الآدمية بي

 وأنا على قيدِها حياة؟!

 

ومن بعيد سمعته؛ عواء ذئب، ليس واحد

 بل ثلاثة! أصواتهم متداخلة لكنني ميزتها

 بسهولة، هكذا كُنت أميز ذئاب البشر؛ من

 الصوت، ونظرة العين.

 

يبدو أنهم اشتموا رائحة الدم التي كانت

 تنزف من روحي.

 

 أنا لا أعرف سبب الجرح، لكنه كان

 مميت.

 

 أراه قائدهم يجد السير للحاق بي، يظن

 أنني سأهرب؟! نعم كنت أرغب الهروب

 ولكن..أين أنا مني؟

 

أين أنا مني؟!

 

على الجانب الآخر رأيتني كنت أختنق،

أصرخ بأعلى صوت حتى تحجّرت الأحبال

 الصوتية، فلم يعد يخرج مني غير منظر

 بائس لفقر ووجع دامس.

 

شعر شَاب ووجه تجعد..

 

خطوط وأخاديد حفرت..على شبيه وجه.

 

كان وجهي!

 

قلب انقبض، وعين من الحزن ابيضت.

 

ثم انطلقت الصرخات تدوي بصمت،

شعرت معها وكأن كل أوردتي وشراييني

 ثارت واستثارت، حتى الأوتار انتفضت

 راغبة في التمزق والهروب بعيدا عن

 جسدي الحابس لها منذ قرون..أربعة!

 

كنت أشعر بالظمأ الشديد، خيل لي أن

 أحدا مدني بكأس كان يفيض، ظننته

 ماء، لكنّه كان حنظل.

 

وشجرة من زقوم اقتطف منها ثمرة،

حاول جاهدًا أن يطعمني لكنه لم يفلح.

وربحتُ أنا.. وفاضت روحي!

 

وقفت أنا شارد، متعجب من نفسي، لم

 الصراخ؟ ومما ومِمن أطلب النجاة؟!

وجدتني أنظرني بعينِ شفقة مما أخاف؟!

 

ألم يئن للذين آمنوا أن تخشع قُلوبهم لذكر

 الله؟!

 

ورأيتني أسألني: وهل أنا مؤمن؟

 

أجيبني: ألا بذكر الله تطمئن القلوب؟

 

فيطمئن خوفي..

 

وهناك..تحت هذه الشجرة قررت السكون،

كنت أقبع وحيدا، مبتسما سعيدا. أستظل

 من وهج الشمس، كانت العصافير

 والطيور مختلفة الأشكال تحلق فوق

 رأسي، كنت أرفعها فأنظرها؛ طيور

 رائعة، لكنها حزينة!

 

وأنا.. كنت أنتظرني عائدا من عالمي

 الآخر، كهذه الطير التي اهتدت إلى

 أعشاشها، فوق شجرة.

 

رحت أسألني وأختلق الإجابات، لمَ

 التأخير، ألم تشتاق؟! جاوبتني بابتسامة

 وصمت..أشتاقُ ولكن!

 

 ورأيتني أردده القول:

 

إنها تأخذ منك أفضل ما لديك، تتركك

 تائهًا، تَحومُ حولك..تفتقدك..تَبحثُ أنت

 عنك، تَرصدُ مكافآت وجوائز لمن يَهديك

 إليك، لكنك تدور في دائرةً مُفرغة،

أبداً..لن تجدك إلا تحت العرش.

 

فهي تُحبك بإخلاص، إنها روحك التي بين

 جنبيك، فلا تملكها فتهلك، تلك هي

 الحياة..

 

تلك هي الحياة..

 

 

 

شبيه وجه
شبيه وجه

 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى