أدبي

قِــطــار الــعُــمــر

وقت النشر : 2022/01/23 05:40:57 PM

قِــطــار الــعُــمــر

 

بقلم: صخر محمد حسين العزه

عمان – الأردن

ذات صلة

9/1/2022

 

عاش سعيد وهناء حياةً سعيدة وتزوجا بعد قصةِ حُبٍّ حميمة أثناء دراستهما الجامعية، وكان سعيد ميسور الحال، ويملُك شركة نفط ورثها عن والده، وكان نِعمَ الابن.

رزق سعيد وهناء بطفلٍ وحيد أسمياهُ عاصم، وكان والدهُ لا يبخل عليه بشيء، ويُغدِق عليه الأموال بسخاء، ولكن بدون رقيبٍ ولا حسيب.

كان لسعيد صديقٌ اسمهُ مُرشد، وهو صديقُ عمُره، وظفهُ عندهُ كمديرٍ مالي، لأنه أمين، وكان سعيد يستشيرهُ بكل شيء.

 

يجلسُ سعيد وزوجته هناء، ويقول لها:

– حبيبتي هناء، لا تضغطي على عاصم، وأعطهِ ما يطلُب من مال؛ نحنُ والحمد لله لا ينقُصنا شيء.

هناء: لكن يا سعيد، كثرة المال والمصاريف ستُفسده، ويجب أن نعوده الاعتماد على نفسه، ونحنُ تعبنا حتى وصلنا إلى ما نحنُ عليه، وبجهودك للحفاظِ على الشركة، يجبُ أن يعتمد على نفسه، ويتعلم كيف يحافظَ على ماله، ويحافظ على اسمك وعلى الشركة.

سعيد: لا عليكِ، هو لا يزال في ريعان الشباب، أُتركيه يستمتع بحياته الآن، سأخرج الآن إلى الكوفي شوب، أُريد أن أُقابلَ مُرشد، طلب رؤيتي لأمر ما.

 

يلتقي سعيد صديقه مُرشد في الكوفي شوب

مُرشد: مرحباً أخي سعيد، الحمد لله، حققت شركتنا هذا العام أرباحاً عالية بعد أن كسبنا عقود نفط كُنا متقدمين لها.

سعيد: الحمد لله، هذا بفضل جهودك أخي مُرشد، ولكن بماذا كُنت تريد أن تُحدثني؟

مُرشد: أُريد ان أُناقشك بموضوع ابنك عاصم، وما أقوله هو لمصلحته ومن أجلك أيضاً.

سعيد: خيراً، ماذا؟ هل حصل منهُ شيء؟

مُرشد: يا أخي، إبنك مُستهتر ، دائماً يأتي ويطلُب نقودا، وأنا لا أُعطيه إلا بعد موافقتك، لكنه يأتي دائماً بسيارته ومعه مجموعة من الشباب المعروفين للجميع بأخلاقهم السيئة، وما أخبرتك بذلك إلا لحرصي عليه، حتى لا تسوء الأمور كثيراً، فنندم ولاتَ حينَ مندم..

سعيد: بعد أن احتسى شيئاً من القهوة ونفث سيجاره، قال لصديقه:

– لا عليك، أعطهِ ما يشاء، هو إنسان واعٍ وأنا أتابعه دائماً.

مُرشد: تذكر كلامي يا سعيد، أنا نصحتُك، وما عليَّ إلا البلاغ..

 

بعد مرور سنين مرض سعيد وأصبح لا يستطيع متابعة أعمال الشركة كالسابق، نادى ابنه عاصم:

– يا ولدي، كما تراني الآن؛ أنا مريض جداً، ولا أستطيع متابعة أعمال الشركة كالسابق، فأنا سأسلمُك كُلَّ شيء، ولا تتخلَّ عن عمْكَ مُرشد، اجعلهُ ساعدك الأيمن، الشركة أمانة بعُنُقِك يا عاصم، فحافظ عليها، ولا تنسَ حقَّ أُمك عليك، وعليكَ رِعايتها أنت وزوجتك.

عاصم: لا تخف يا أبي، سأكون كما أردت، ولكن اكتب لي تنازلاً عن كُلِّ شيء حتى أستطيع التصرُف كاملاً بها.

 

يستلم عاصم أمور الشركة، وكان أول قراراته إنهاء خدمات صديق والده مُرشِد، بحجة أن عُمره كبير وهو بحاجة إلى شاب قوي وكفء ليدير معه أعمال الشركة، ويُعين بدلاً منه زوجته كمدير مالي للشركة.

تبدأ الشركة بالتراجع، وهو يمضي مُعظم أوقاته بالسفر والليالي الحمراء مع رفاق السوء.

يذهب عاصم إلى والده ووالدته ويقول له:

– يا والدي، أنت ووالدتي بحاجة إلى رعاية أكبر ووجودك عندي لا يُفيدك، سأدخلك أنت ووالدتي دار المسنين لتكون تحت رعايتهم.

سعيد: ينظر إلى ولده وعيونه ممتلئة بالدموع، ويقول له: ليتني استمعت إلى كلام والدتك ونصائح عمك مُرشد.

عاصم: ماذا؟ هل يجب أن تُسمعني هذا الموشح؟ مُرشد.. أُمي.. مُرشد.. أُمي؟!

 

ينقُل عاصم والده ووالدته إلى دار المسنين، ولا يعاود التواصل معهما، أو يزورهما إلا نادراً..

 

بعد عدة سنين يخسر عاصم الشركة وتباع بالمزاد العلني لصالح أحد البنوك، ويجلس وحيداً بعد أن تركته زوجته، وقرر أن يذهب إلى دار إيواء المُسنين ليزور والديه ويطلُب الصفح والعفو منهما، فيركب سيارة أُجرة هو وابنه الصغير، ويسألهُ ابنه بعفوية؛ إلى أين نحنُ ذاهبون يا أبي؟

يُجيبُه أنه ذاهب إلى دار إيواء المسنين لزيارة جده وجدته، فيقول له ابنه: يا والدي، عندما أكبُر سأرسلك مثلهم إلى هذه الدار، فنزلت كلمات ابنه عليه كالصاعقة.

 

يصلُ إلى دار المسنين، ويستفسر من موظفة الاستقبال عنهما، فتقول له؛ تفضل عند مدير الدار.

يستقبله مُدير الدار مُتجهماً، ويقول لهُ:

– أنت تُريد أن ترى النزيل سعيد هاشم العالم، وزوجته هناء؟

يُجيب عاصم بلهفة:

– نعم.. نعم، أرجوك هما أبي ووالدتي.

ينظر إليه المُدير طويلاً، ويقول لهُ: لقد تاخرتَ كثيراً، كانا دائماً يسألان عنك.

عاصم: نعم، وها أنا قد أتيت، أين هما؟ أُريد أن أراهما، وأن آخذهما معي.

مُدير الدار يصمت طويلاً، ويقول لهُ:

– لقد فات الأوان، ومضى قطار العُمر، وتوقفت عرباته عن المسير في آخر محطة، والداك توفاهما الله.

يسقُط عاصم مغشياً عليه، ويحاول أحد الأطباء أن يُعالجه ويعمل لهُ تنفُسا صناعياً، ولكن تكون إرادة الله قد سبقت..

 

قال تعالى

” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”(23) الإسراء

 

تمت المراجعة والتصحيح اللغوي بواسطة فريق ريمونارف الأدبية

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى