أدبي

عزيز

وقت النشر : 2022/03/18 07:20:27 PM

عزيز

بقلم: سماح رشاد 

لقد نسيت هيئة الرسائل، عندما فتحت دفترها لأكتب لك واحدة جديدة، وجدتها مصفرة كأنها قديمة تميل إلى الذبول، عليها بقع ماء قديمة شوهت شكل السطور وضيعتها، من بكى هنا؟! هل هي السطور أم الحروف غير المرئية؟ هل هجرت الكتابة لك منذ أمد ليحدث لها ذلك؟ الرسائل تحتضر يا عزيز، لكن لا بأس، فكل الرسائل مآلها لريح تزروها للنسيان والموت

أردت أن أروي لك بعض الحكايا التي حدثت معي مؤخرا، لكن قبل ذلك سأخبرك أمرا، لقد قمت بقص شعري حتى ظهرت أرض رأسي، الأفكار تطل عليّ الآن، تنظر لي مباشرة دون حائل، أراها تضحك وتتهكم عليّ ولا أعلم السبب

كسرت كل المرايا حولي، فلا أطيق كل تلك النظرات التي أوجهها لي عبرها، اللوم والجلد يأكلني كليا يا عزيز، كان عليّ ألا أتفادى النظر لها، لا أن أستسلم وأكسرها جميعا، لكني أضعف من المواجهة، والنظر بقوة، والحديث لها بأني أستطيع.

أأنا أستطيع يا عزيز؟ لكني أبتسم كلما تذكرت فعلتي؛ فلن يكون عليّ رؤية تلك السمينة بعد بالمرايا

أول الحكايا أني بدأت بوضع بعض نقاط الأحداث التي ستقوم عليها روايتي القادمة، اخترت لها اسما لافتا وهو (فريدة تتحدث للمرة الأولى) ستعطيني علامة كاملة لأني لم أكتب ملفتا، تعرف أنني لا أكرر الخطأ أمامك، أريد أن أكون بنفس مستوى رأسك عندما أتحدث، وعند مستوى صدرك عندما أشعرك، أنا لست رومانسية، فلنقل أنثى حقيقية.

الرواية تحكي عن فتاة رافضة للحرية والاستقلال، تحارب أمورا تلهث وراءها كل امرأة الآن، ما رأيك بالفكرة؟ أظنها ستعجبك عندما أنتهي منها

الحكاية الأخرى هي حديثي مع صديقي الصحفي، حيث اقتبس من سارتر قائلا: الآخرون هم الجحيم. صمتت قليلا وفكرت، ودار سؤال بذهني: هل أنت جحيمي الذي يأخذ مني ثم يأخذ ثم يأخذ حتى أفرغ مني ثم أختفي بك؟ قلت ربما..لا لا، هو أكيد، دعنا مني ومنك فنحن خارج إطار التفكير المطلق، إنما صديقي هذا عجيب؛ يقول لي كل مرة يحدثني إنه لعنة، لعنة لنفسه وللآخرين، لا أعلم كيف وصل لتلك الفكرة، ومن فعل ذلك برأسه؟ ربما الكتب؛ يقرأ منذ ربع قرن ويبدو أن ذلك أثر عليه، يبتسم دائما ويقول نعم وحاضر لكل تسلط وقاعدة أضعها في علاقتنا رغم ديكتاتوريتي، لطيف للغاية، لطيف لدرجة تشعرني بالإعياء، أذكره الآن وأعلم أنك لا تغار وذلك يعزز من صداقتنا ويصيبني بصداع الحيرة منك، فكيف لا تغار؟!

الحكاية الأخيرة بطلتها كاتبة رسائلنا، وأرجو أن تكون بالغ الحذر عندما تفتح الرسالة في وجودها؛ فهي تغار منا لأننا أبطال، وفريدان، وهي تتطلع لتكون مثلنا، ولكنها لا تستطيع. تنسب دائما الفضل في نجاح علاقتنا وقوتها لها، لأنها تكتبنا، وتنسى دائما أننا حقيقيان ولسنا أبطال خيالها، لسنا حبرا وحروفا على ورق، يجب أن نحذر هذه الكاتبة فهي تنوي أن تفعل شيئا شريرا، أرى ذلك في أفق أفكارها، لا أعلم ماذا تنوي، ربما ستقتل أحدنا أو توسوس لي بالتوقف عن انتظارك، ربما توسوس لك أن تزيد المسافات بيننا أو غيرها من أفكار تحملنا على الرحيل، كن حذرا، سنقف بوجه أفكارها وجنونها

عزيز، لا تكثر من شرب القهوة، اكتب لي كثيرا وحدثني مطولا فأنا أسمعك جيدا.

لا تطل في الصمت، ولا تدع المجنونة تنفذ مخططها، لا تكترث لسوء حالة ورق الرسائل، سأغير الدفتر قريبا، وسأرسل لك أجملها دون بقع تشوه شكل السطور.

أفتقدك كثيرا.              غسق

تمت المراجعة والتنسيق من قبل فريق ريمونارف

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى