أدبي

لماذا عليَّ أن أكون مثالية؟

حل أخير

وقت النشر : 2022/10/16 04:22:12 PM

لماذا عليَّ أن أكون مثالية؟

بقلم: سماح رشاد

اليوم كله، والأيام، وسنواتي الأربعون مملؤة بي، بمزاجي المضطرب، بل بمزاجاتي اللاتي لا تحصى. أعيش بها وتعيش بي، لست مذنبة، لست آثمة بأني أنا نفسي. أي جرم أفعله حين أمارسني بحذافيري؟! متى أمارسني بكلي؟

ليس ثمة خطب بي، لست ممسوسة أو مهووسة. ما الضير لو أني المخلوق الوحيد على هيئتي الداخلية تلك؟! ماذا لو قلت لا أريد وغيرها من طرق الرفض؟. مثل لن آكل، لن أشرب، لا أريد أن أتزوج، لا أريد أن أنجب، لن أزور قريبنا هذا، ولا قريبتنا هذه، لا أريد أن أتعلم، لا ولا ومثيلتها الكثيرة.
مَاذا لو سافرت وحضرت حفلًا ورقصت، ماذا لو خلعت حجابي، ماذا لو ركبت أفعوانيات الحب؛ منحدراته، وقممه، ونشوته، وسقوطه، وتلاشيه؟. ماذَا سيحدث لو بكيت أمام الجميع دون أن أُبدي سببًا، أو صرخت فيهم، أو أطلقت الرصاص عليهم وعلى نفسي؟!. مَاذا لو أصبحت صوفية واعتمرت عِمة خضراء؟. ماذَا لو جُبت الشوارع بمبخرة وبخّرت المحال، والسبح لا تنفرط من رقبتي ومن بين أصابع يدي وأصيح: حي…حي؟!.
ماذا لو عرف الجميع أنني عندما صدمت باب خزانة ملابسي برأسي أعتذرت له، ثم بكيت؟! فستاني الأحمر حين وقعت سيجارة من فمي عليه، وأحدثت ثقبًا صغيرًا بصدره، حللت الأمر ووسّعت الثقب إلى فتحةٍ أظهرت مفاتني، وها أنا الآن أرتديه وألتقط الصور لأرسلها إلى حقيري الوغد.
لقد أغويت شِبه رجل مرة، غمزت له، ثم ابتسمت، وأرسلت له قبلةً طائرة فاندهش جدًا. كان هذا المشهد حلم يقظةٍ تبعه بكاءٌ شديدٌ ابتل له صدر روحي، وتورمت عيناها. قامت هي بالبكاء حتى لا أظهر أنا بوجهي البائس للعالم، بل بالجميل، الطيب، الهادئ، الوديع.
أعلم أني أثقل عليَّ بإخفاء الرفض، والاختلاف، والهوس، والغرابة. هل الثورة الخامدة المسيطر عليها ستظل هكذا تربت على كتف الظاهر الطيب مني؟ لا أعلم!.

لطالما انتظرت ساعات وسنوات أن أفهم ما أنا عليه، من أنا، وماذا أريد، ومتى أشفى مني، ومتى أرحل عني، ومتى آتِي؟. كل سؤال معضلة ومعادلة. ولا شيء يحدث، ولا تدق أبوابي الإجابات. أصغيتُ لكل الحلول؛ صلاة، وقرآن، قراءة، واطلاع، جَلد، وانفتاح، علاقات، ولا علاقات، صديقات أصبحن خائنات، حتى الحب الجامع الشامل، كون، وأناس، وحياة، هدف وأحلام، وأمنيات، كل ذلك لم يرسِني على أي شاطىء، يخبرني ويقيني مني وعني. ادعيتُ وادعيتُ، تعبت، أُنهكت، تشرذمت، تبعثرت. كل المشاعر تحيط بي وتملؤني، صرت متخمة بهم وبي
رباااه! رباااااه!.

كحل أخير.

حل أخير

حاولت، ثم حاولت أن أطابق هيئات مألوفة ومتداولة، ارتديت القناع تلو الآخر، اخترت أكثرهم ألقا وتفشيًا؛ المبتسم، المُجاري، المربت، المتفهم. كلهم ارتديتهم ولم أصرخ من الاختناق، ولم أتفوه بأي كلمة تعبر عن كره، وغضب، وحنق. بل اعتدت الشخصية متعددة مشاعر التفاؤل، والأمال، والطيران الكاذب، أو ثبات الأقدام الواهم، والتبسم، والطأطأة كنقار الخشب.

لم أستطع أن أكمل، هل من نهاية تنتشلني من الضاد والحرية؟ الصمت، والسكون، والانزواء كلها كلمات ترياق أعيشه كوصفة مؤقتة لمرض مزمن حتى إشعار آخر من تداعي درجة المرض للاحتضار ثم الموت، ثم الاختفاء والعدم.

قالت لي الجدة فضة يومًا ما: لا أحد مثلك، ولن يكون. أنت صغيرتي الفريدة، كوني أنت كما يجب. لذا، حلقت شعري كله، وارتديت الأسود وحجابي وانطلقت إلى قبرها، وضعت عليه خاتمي وكل البكاء ورحلت.

لماذا عليَّ أن أكون مثالية؟ بقلم: سماح رشاد
لماذا عليَّ أن أكون مثالية؟
بقلم: سماح رشاد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى