أدبي

الموسيقى في النص الأدبي

وقت النشر : 2022/05/20 08:05:45 AM

الموسيقى في النص الأدبي

مقال نقدي بقلم: مصطفى نصر

بعد المرحلة الأولى من مراحل التجربة الأدبية وهي المؤثر أو الفكرة الأساسية التي تستفز الكاتب لكتابة نصه الأدبي،

تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة التتبع وهي حالة تلمس موقع المؤثر أو الفكرة من وجدانه، ومزج المؤثر بوجدانه،

لأن تجربته الأدبية إن صدرت من وجدان متأثر بهذا المؤثر،

ستجد طريقها من وجدان منشيء النص (المرسل) إلى وجدان المتلقي (المستقبل) مباشرة دون وسيط،

فتبقى في ذاكرته القريبة والبعيدة معًا لوقت طويل الأمد، وهو ما يحقق للأدب سمة الخلود، أسمى غايات منشئ النص.

ثم تأتي ثالثًا مرحلة التشكيل: وهي صياغة النص بصورة مؤثرة يتلقاها المتلقي بحفاوة بالغة عندما تخاطب وجدانه.

ولعل من أهم عناصر تشكيل النص بصورة جاذبة قادرة على التأثير هي عنصر الألفاظ المنقاة،

اللبنة الأساسية لجمل وتراكيب النص، وعنصر الصور والأخيلة المؤثرة، ثم أخيرًا عنصر الموسيقى.

والموسيقى ليست حكرًا على الشعر فقط؛ إذ أن النثر أيضا له بناؤه الموسيقي الخاص،

بفعل استخدام ألفاظ مناسبة للنص بفعل ما يقتضيه المقام من حروف هامسة أو جهيرة،

وبحسب السياق وما يقتضيه من حركة يقويها الاستخدام للفعل بقدر أكبر، أو سكون يقويه استخدام الأسماء التي تعزز من وضعية الثبات،

على نحو ما نقرأ في سورة الكهف من حركة الشباب التي تعززها الأفعال (ترى، تقرضهم، تزاور، ونقلبهم)

في مقابل وضع الثبات لكلبهم التي عززها باستخدام الاسم (باسط) على نحو ما سنفصل عند حديثنا حول (قبعات الصناعة النثرية الرفيعة)، بحول الله وقوته.

أمًا موسيقى النص الشعري فقد قامت على ثلاثة أنماط اختبرها النص الشعري العربي،

هي البناء التقليدي للشعر العمودي المرتكز على بحور الشعر التي ابتكرها الخليل بن أحمد الفراهيدي،

ثم بناء الموشحات في التجربة الشعرية الأندلسية، ثم في العصر الحديث

شعر التفعيلة العروضية الذي علا صيته مع ظهور الشعر الحر الذي ملأ مساحة من التجربة الشعرية في العصر الحديث.

سوى أن الحقيقة الناصعة هي أن أي شكل من هذه الأشكال الموسيقية الثلاثة ما استطاع أن يزيح الآخر عن طريقه،

إذ بقيت هذه الأنماط الثلاثة بجوار بعضها البعض، يختار منها الشاعر ما يحلو له عند تشكيل نصه الشعري موسيقيًا.

هذه هي الأشكال الرئيسية لموسيقى الشعر العربي، برز إلى جوارها نمطان موسيقيان آخران فرعيان شغلا مساحات محدودة

هما نمط موسيقى الدو بيت المستمد من التراث الفارسي، الذي هو الآخر استمد موسيقاه من بحور الخليل مع تعديلات طفيفة، ونمط موسيقى شعر الزجل والشعر النبطي في الخليج العربي،

والشعر الحلمنتيشي الفكاهي المرتبط بفن المنالوج، التي سارت جنبًا لجنب مع أنماط الشعر الأخرى،

لعل أشهرها أشعار بيرم التونسي وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وعبد الرحمن الأبنودي، سوى أنها تنكبت عن جادة اللغة الفصيحة للعامية،

وهو أمر سنناقشه بصورة مفصلة في مقال آخر بحول الله وقوته عند حديثنا عن لغة النص الأدبي.

ونبدأ ما نحن بصدده من الحديث حول موسيقى الشعر بالنمط الأول وهو عمود الشعر العربي القديم،

القائم على نمط موسيقي مستمد من البحور الشعرية القديمة التي يعود الفضل في حصرها وتبويبها لأبو علم العروض الشعري العربي،

الخليل بن أحمد الفراهيدي وفق بحور الشعر العربي التقليدية وهي (بحور الطويل، البسيط، المديد، الوافر، الكامل، المنسرح، والرجز …… إلى آخره) تلك البحور ذات الرقم خمسة عشر ابتكرها الخليل،

وواحد إضافي اكتشفه الأخفش وسماه (المتدارك) لأنه تداركه على الخليل، وما يستتبعها من أسباب وأوتاد وزحافات وعلل،

مع قافية موحدة تتكون من عدة حروف أهمها حرف الروي الموحد في كامل النص، بما يشكله من ضربات إيقاعية منتظمة في آخر كل بيت،

على مستوى الموسيقى الظاهرة، ونمط مكمل من الموسيقى الداخلية المكملة للإيقاع،

ناشئة عن جرس الحروف وتناسق الكلمات صرفيًا من أوزان متقاربة وهو ماسنعود له بالتفصيل قريبًا.

الموسيقى في النص الأدبي
الموسيقى في النص الأدبي

زر الذهاب إلى الأعلى