مقالات متنوعة

عن الزواج أتحدث

وقت النشر : 2022/05/24 12:09:21 PM

بقلمي: محمد السيد

لقد خلق الله الخلق وكان قضاؤه فيهم أن خلق من كلٍ زوجين اثنين؛ سواء كان نباتًا أو جمادً أو حيوان، ونحن بني الإنسان، بني آدم الأب العدنان، خلقنا الرحمن أيضاً زوجين اثنين رجلا وامرأة، فخلق آدم، وحواء خلقها من ضلعٍ له لتؤنسه في وحشته، ولتكون سكنه في وحدته، وسبب السكينة والهدوء لكل هذا العالم ومكوناته، وجعل بينهما الخالق مودة ورحمة وحبا وميثاقا غليظا، وفضلا أوصى الله ألا يتناسوه بينهم.

 

يقول عز من قائل: “ولا تنسوا الفضل بينكم” سورة البقرة

ذات صلة

“وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ”

 

ولقد نظم الإسلام الزواج، وجعلت له الشريعة الغراء شروطا وأركانا وأساسات عليها يبنى ذلك البناء الضخم الهائل، ألا وهو الزواج، تلك اللبنة التي يتكون منها المجتمع، وعليها يعتمد ويستند، فإن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت صار المجتمع فاسدا هشا، ما يفتأ أن يزول أدراج الرياح وهبَّاتها ويصبح أثرا بعد عين.

 

لذلك عمدت أن أكتب ملامح وصيد خواطر عن ذلك الأمر الضخم، وذلك الشأن الجلل فى حياة الأمم عبر سالف الزمان، والذي لا تكفيه مقالة واحدة ولا عدة مقالات، ولا حتى مجلدات تملأ مكتبة ومكتبات.

 

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، والباءة كما فسرها العلماء هي القدرة على الزواج؛ قوة جسمانية وصحية، وقدرة مادية إنفاقية.

 

ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم-:

” إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ.” رواه الترمذي

 

يقول فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق عن حديث “أقلهن مهرًا أكثرهن بركة” قد يكون حديث ضعيف لكن معناه صحيح.

 

ونحن في تلك الآونة من عصر زماننا تعصف بجميع البلدان ضائقة مادية واقتصادية، تطال أيضا بلادنا بم أنها جزء من ذلك العالم، مما يستلزم وضع أفكار جديدة وحلول حديثة، نستطيع معها التعايش والحفاظ على لبنة المجتمع ونواته الأساسية، ألا وهي الأسرة المكونة من الزوج والزوجة.

 

ونحن نرى رب الأسرة والعائلة المصرية الكبيرة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأب العطوف والقائد الشفوق على أمته وأبناء وطنه، يخاطب الآباء في تفكير ولا أروع، وحل خارج الصندوق، وهو وإن كان عبر جملة قصيرة وكلمات معدودة فخلفه من المعاني والمرادات الكثير مما يعنيه ذلك القائد الكبير، وهو خطابه للآباء أن يخففوا على الشباب ويعفوهم من المهر والشبكة والمصاريف الزائدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل هي أعباء نثقل بها كاهل تلك الأسرة الوليدة واللبنة الضعيفة.

 

قال النبي منذ أكثر من 1400 عام أن أقلهن مهرا أكثرهن بركة، والسامع للوهلة الأولى يظن أن أكثرهن بركة عائدة على الزوج، إلا أن أكثرهن بركة تعود على المرأة التي قبلت وأشفقت على ذلك الزوج وخففت عليه، فكان جزاؤها أن أعطاها النبي ذلك الوسام المحمدي والتزكية السماوية، وهي أن أصبحت امرأة مباركة، تعود بركتها عليها وعلى زوجها وعلى أبنائها، وعلى مجتمعها ووطنها وبلادها، والبركة وما أدراك ما البركة، أنعم بها اذا اتصف بها أحد ورزقه الله إياها!!

 

ثم نجد قول من استطاع منكم الباءة فليتزوج، مفهوم الحديث تغير بتغير معطيات وواقع مجتمعنا وحياتنا الحديثة؛ فأصبح الرجل بشهادته الجامعية أو ما خلاف ذلك يستطيع العمل من البيت أو في أي مكان؛ أي أن الأهم هنا هو التسلح بعلم ومهارات، فتصبح كأصول عنده يستثمر بها في نفسه فتدر عليه دخل ومال، بالإضافة إلى أن البنت أصبحت – بفضل الله – تقتحم سوق العمل وتحقق ذاتها وكيانها، وتحقق الكفاف والكفاية لنفسها، مما يدل على أن الزواج لم يعد بيعة تتكون من ثلاثة أجزاء؛ بائع، ومشترٍ، وسلعة يتم المقايضة عليها والتفاوض بشأنها، ولكن الزواج الصحيح هو البيت الذي يتكون من شريكين اجتمعا على إسعاد نفسيهما، وإمتاعها بالحلال الطيب، والمشاركة يدا بيد، وبحقوق وواجبات متبادلة يتدخل في تنظيمها وتقويمها ومراقبتها والفصل في خلافاتها أعلى الكيانات في المجتمع وهي الدولة الحديثة المدنية المعاصرة.

 

ولكن بمن أخص بذلك الحديث؟!

إنه لأسرٍ ربت أبناءها تربية سليمة، وسلحتهم بسلاح العلم وقومت سلوكهم، فهم يمتلكون أخلاق ونفس سليمة خالية من الأمراض والنقائص والتشوهات النفسية الذميمة، ومكنتهم من الاعتماد على أنفسهم، وأوهبتهم مواهب إتخاذ القرار ومواجهة عواقبه سواء بالسلب أو الإيجاب.

 

لذلك نستطيع القول قبل كل شيء أن الزواج الصحيح السليم الناجح ما هو إلا انعكاس لتربية صحيحة سليمة راشدة ناضجة في الصغر، وليس الزواج الناجح السعيد يأتي عبر مجموعة من الزكائب النقدية والعفش والنيش الفاخر والفروشات الباهرة والزفاف المتكلف صاحب البهرج الكبير وشبكة بمئات الآلاف من الجنيهات، ولكم في قصص الأنبياء وزوجاتهن عبر أسعد الزيجات على وجه البسيطة وعلى مر التاريخ الأسوة والمثل الحسن البهيج،

لذلك يقول النبي إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، ألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.

 

ليس الدين هو ذلك الدين الشكلي من ذقن طويلة، ونقاب أسود فضفاض يغطي الجسد، ولكن الدين هو ذلك الذي قال عنه النبي الدين المعاملة؛ لذلك ثنى بلفظة “وخلقه” أي الأخلاق الحسنة والطباع الفطرية الجميلة:

” إن من أحبِّكم إليَّ، وأقربِكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنَكم أخلاقًا” رواه الترمذي في حديث حسن، ولم يقل أكثركم صلاة، أو أطولكم لحية، أو اكثركم حفظا للقرآن، لأن أحسن الناس أخلاقا وطبعا ونفسا حرى بهم تكوين الأسر والمجتمعات وقيادتها وتطويرها وإفادتها، لذلك نقول للآباء نصيحتين هما:

 

1- أحسنوا تربية أبنائكم علما ودينا وخلقا ونفساً.

2- أطلقوا أيديهم في اختيار مستقبلهم، ووجهتهم، وتحمل عواقب أمورهم.

وشكرا لحسن متابعتكم، وإلى لقاء…

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى